«زج زج» يوثق انتهاكات الانكليز في قرية مصرية قبل 100 عام: المخرجة ليلى سليمان: الوثائق أقوى من مخيلة الكاتب

رانيا يوسف

في إطار مشاركتها ضمن فعاليات الدورة الخامسىة من مهرجان وسط البلد للفنون المعاصرة «دي- كاف»، تفتح المخرجة المسرحية الشابة ليلى سليمان ملف حادثة اعتداء جنود الاحتلال على قرية «نزلة الشوبك» في مصر، من خلال العرض المسرحي «زج زج»، الذي يوثق قصة حدثت قبل مئة عام، أثناء الاحتلال الإنكليزي لمصر، حين هجم جنود الجيش الإنكليزي بوحشية على قرية صغيرة قرب محافظة الجيزة تدعى «نزلة الشوبك». عُقدت محكمة عسكرية للتحقيق في شهادات سكان تلك القرية، بأن الجنود نهبوا وأحرقوا قريتهم، بالإضافة إلى ترويعهم وإعدام خمسة من الأعيان، ومن بين الشهود الذين تم استدعاؤهم للشهادة، بعض النساء اللاتي تم اغتصابهن على يد جنود الجيش الإنكليزي.
وعلى مدار الأشهر التي تلت هذه الحادثة، استخدمت الحركة الوطنية قصص هؤلاء النساء في شعاراتها ومنشوراتها، ولكن سريعاً ما تم تهميش هذا الحادث في الخطاب السياسي للاستقلال، ولم يمر الكثير من الوقت حتى نسي التاريخ هؤلاء النساء تماماً. المخرجة ليلى سليمان التي تعمل في مجال المسرح منذ عام 2004، تحدثت في حوارها مع «القدس العربي» عن المسرح الوثائقي وصعوبات انتشاره في مصر.

■ ما الذي يستهويك في تقديم نصوص المسرح الوثائقي؟
□ بعض الأحيان مهما تخيل الكاتب لن يصل مضمون ما يكتبه إلى الجودة الدرامية التي أعطتها لنا ملفات التحقيقات الحقيقية، التي استخدمناها في عرض «زج زج». لن يصل إلى مستوى الدراما التي تفيض من حكايات الشخصيات الحقيقية، تفاصيل الحوار المكتوبة يصعب على الخيال إدراكها. في عرض «زج زج» أخذت التحقيقات الحقيقية ثم تعاملت معها مسرحياً علي هذا الأساس، و لم أضف أي عناصر درامية على الحوار. الوثائق قدمت كما هي مع اختصار بعض الأجزاء الخاصة بمقدمة القضية، لكن التحقيق لم يمس، هناك جزء آخر وثائقي عن أفكارنا نحن كمجتمع في التعامل مع هذه الحادثة، ما يستهويني حقاً في تقديم المسرح الوثائقي هو وصوله إلى أعلى مستوى من الجودة الدرامية.
■ ما هو الاختلاف عند العمل على النصوص الوثائقية عن العروض الدرامية؟
□ مختلف تماماً، مرحلة ما قبل الوصول إلى النص هي مرحلة بحثية طويلة جداً، ثم تبدأ بعدها مرحلة الارتجال مع الممثلين حتي نستقر علي شكل فني يناسب هذا النص الوثائقي، في عرض «زج زج» بالتحديد الحوار اتخذ مادته من التحقيقات، وهي على شكل سؤال وجواب، محتواها الدرامي قوي جداً، والتعامل معها كمادة يعاد تمثيلها كان اقرب إلى الدرامي الروائي من الوثائقي، المسرح الوثائقي عموماً ينتمي إلى مدرسة مسرح ما بعد الدراما وليس إلى ما بعد الحداثة.
■ هل هناك اختلاف في اختيار الشكل المسرحي لتجسيد النص الوثائقي عن الدرامي؟
□ الاختلاف الأكبر في المضمون، أما التعامل مع الشكل الفني فله علاقة أكثر بأسلوب المخرج، والمحتوى دائماً يفرض شيئا ما، مثلا في هذا العرض أخذت تحقيقات ووثائق محتواها درامي جداً، هي التي قادتني إلى تحديد الأسلوب والشكل الفني الذي خرج عليه العمل.
■ إنتاج المسرح الوثائقي أقل من الأنواع المسرحية الأخرى هل لهذا علاقة بثقافة التلقي؟
□ فكرياً المسرح الوثائقي دسم أكثر من عروض أخرى غرضها التسلية، مثل العلاقة بين الأفلام الوثائقية والروائية، الشيء نفسه بالنسبة للمسرح لا نستطيع أن ننكر أنه أكثر صعوبة في التلقي، هو ليس منغلقا على نفسه، لكن جمهوره نخبوي. أكثر ما لفت نظري في الجمهور الذي تردد على العروض التي قدمتها، اهتمامه بالمسرح، لكن هناك نوعا من الجمهور يجذبه الموضوع، كما في عروضي السابقة عرض «هوى الحرية» الذي يعرض شهادات من السجون ويعرض التشابه بين ثورة عام 1919 وثورة يناير/كانون الثاني 2011، وعرض «البيت الكبير» الذي يتعرض إلى قضية العمالة في الجنس في تونس.
■ عرض «زج زج» و»هوى الحرية» و»البيت الكبير» كان مدخلهما المرأة؟
□ ليست دائماً المرأة هي محور ارتكاز نصوصي، ولكن اهتمامي الأكبر عن علاقة الفرد بالسلطة بشكل ما وفكرة إعادة التأريخ البديل هو أكثر ما عمدت إلى تقديمه في السنوات الأخيرة.
■ في أكثر من عمل حاولت أن تستحضري الماضي لقراءة الحاضر؟
□ بشكل عام اهتمامي الأول بقضية التأريخ المسرحي وتعددية سرد التاريخ، ألا يكون هناك سرد واحد رسمي لقراءة الماضي، لاسيما أن تاريخنا منذ الستينيات وحتى الآن تتم قراءته بالخط الرسمي الذي نتعلمة في المدارس، أبحث في إعادة قراءة كتب متعددة تطرح وجهات نظر مختلفة.
■ كيف عثرت على هذه الوثائق؟
□ اثناء التحضيرات لعرض «هوى الحرية» كنت أبحث عن تاريخ الرائدات في الموسيقي والمسرح في عام 1919، وقراءة هذا العام عن طريق الأغاني التي قدمت فيه، عملت مع الباحثة التاريخية مريم مسلم على توثيق المادة التاريخية. وجزء من المواد التي وجدناها متأخراً ملف كامل من تحقيقات قرية نزلة الشوبك، عثرنا على الكتاب الأبيض أثناء التحضيرات لعرض «هوى الحرية»، لم يكن الوقت متاحا استخدمنا منه صفحة واحدة في سياقها الدرامي فقط، منذ أن وجدت الوثائق أصابني هوس أن أقدم عرضا كاملا عنها، لكن أيضاً كان يراودني تساؤل حول الطريقة التي أعالج فيها النص فنياً، هي مادة مثيرة جداً درجة الدراما فيها مكثفة تتضمن شهادات الاغتصاب التي قدمتها نساء مصريات تميزن بالشجاعة لما تحملنه من مهانة في محكمة المستعمر العسكرية، لقول حقيقة الانتهاكات التي قام بها الجنود. وجدنا أجزاء من هذه التحقيقات تضمنت الشهادات في الكتاب الأبيض، وهو الملف الذي قدمه الوفد المكلف بدخول مؤتمر الصلح في باريس عام 1919 للمطالبة بالاستقلال. ولكن لم نعثر على التحقيقات التي تمت في مديرية أمن الجيزة وجدنا مقتطفات فقط منها في الكتاب الأبيض وفي بعض الوثائق. ووجدنا بعض الوثائق في مكتبة الإسكندرية والبعض الآخر في أرشيف وزارة الخارجية البريطانية، عمل معي على جمع هذه المادة التاريخية الباحثة الإنكليزية كاترين هولز.
■ العرض ينتقي جمهوره فهو محدد بدعوة عدد من الجمهور، لماذا لا ينفتح المسرح الوثائقي علي الجمهور؟
□ في أي مكان في العالم أشكال الفن المختلفة عن السائد عائدها المادي محدود. نحاول تغيير هذا بالعروض في محافظات كثيرة، لكن إشكالية تغطية العائد لتكاليف العمل الفني خدعة، طالما لا نقدم عملا ترفيهيا، عرضي ليس لكل الأطياف لأنه مركب، وهذا اختياري الفني، رفضت ترجمة النصوص وقدمتها كما هي بالإنكليزية مصاحبة بترجمة إلى العربية علي شاشة، أما حوار الممثلين فبالعربية، لذلك العرض يحتاج إلى جمهور من نوع خاص. على صانع العمل أن يحدد أولوياته وأن يختار معاركه، وهناك خطة في شهر أغسطس/آب ليطوف العرض في أكثر من محافظة في مصر.
■ المسرح المستقل في مصر أين يقف الآن؟
□ حركة المسرح المستقل اتسعت من حيث العاملين فيه ومن حيث نوع الجمهور الذي تنوع بعد الثورة، وأصبح لدينا جمهور آخر يأتي بسبب الموضوع، ويرغب في رؤية المعالجة البصرية لمشكلة ما، حالياً هناك تجارب تثبت أن المسرح المستقل يمكن أن يحقق إيرادات.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى