أديب فتّال: رسمت الماضي والمستقبل بعيداً عن واقع الدمار

زهرة مرعي

رحلة زاهية، مشعة ومشرقة يبحر فيها المتصفح للوحات أديب فتال إلى فلسطين. فقد خصها بلوحات تعبق حباً وتفيض وجداً فطرياً وغير مركب.
«أتذكر فلسطين» عنوان للمعرض الذي ينتهي في السابع من الشهر الجاري مايو/أيار في صالة S.V في صيفي فيلدج في وسط بيروت. ألوان لها بهاؤها ومنطلقها الفرح. ألوان وأفكار تجافي الواقع القاسي وتطرده من ذاكرتنا للحظات. أفكار تتمرد على الخوف المقيم في دورة دمائنا من شلالات الدم التي تحيط بنا. حقق فتال النجاح بامتياز في حملنا إلى واحته، وحبه الظاهر بجلاء للحياة، والحياة التي يرغبها تحديداً لوطنه الذي لم يلمس ترابه. مضمون اللوحة عنده محتشد بالتفاصيل. لوحات تمسك المتبصر بها وتحمسه لمزيد من البحث في تركيبها اللوني، الفكري وكذلك العاطفي. فأديب فتال رسم فلسطين بعاطفة بكر، وبألوان تشابكت وتمازجت كما التوزيع بين آلات موسيقية متعددة. بالوقوف أمام أي من لوحاته تتحرك الحشرية الداخلية في محاولة لاختراق ما وراء الباب أو الجدار لمزيد من التواصل مع الواقع النابض الذي يشغل فضاءها. يعتمد فتال الرسم عبر المنمنمات المتداخلة. وبالاقتراب من اللوحة يظهر تركيبها وكأنها قطع من البازل تصنع الكل المتكامل. يدخل الفنان إلى خلايا المدن الفلسطينية، ويطلعنا من خلال ألوانه على تكويناتها الدقيقة. بواباتها، مقاهيها، دور السينما، المساجد والكنائس المتجاورة والمدارس. يسمي الأماكن بأسمائها، وفي ذلك دعوة للتآلف معها والإحساس بنبضها. ورغم المسافات التي يقيمها الاحتلال اخترقت لوحة فتال هذا الواقع لتشعرنا بحرية الأمكنة وأهلها للحظات.
دائماً يرافق العصفور لوحات أديب فتال. هو عصفور خاص بمبتكره وكأنه ملتصق بأزهار تزيد من بهجته في الطيران. الشمس حاضرة وكأنها رمز مضاف إلى حضور العصفور، وبغيابها يحتل القمر حيزاً رومانسياً من المشهد العام. تقصد أديب فتال أن يرافق المتصفح لأعماله إلى دساكر فلسطين التاريخية، من القدس إلى بيت لحم، غزة، جنين، حيفا، يافا، نابلس وغيرها الكثير.
لا شك أن اشتغاله على موضوع فني متلازم مع هم وطني يقول بعراقة المكان الذي هو بصدده أتى وليد بحث وتحديد دقيق للأمكنة. فعمله هذا ليس لوحة فانتازيا فنية وحسب، بل ما قدمه للدلالة على موضوعه «أتذكر فلسطين» مؤهل لأن يكون جزءاً لصيقاً من الماضي يخاطب المستقبل، ويستقر فيه كشاهد. لوحته ليست عمراناً وحسب، بل هي تنبض بالناس والربيع. خان يونس في غزة على سبيل المثال كانت ذات شمس مشرقة رغم الدمار والموت المحيط بالمكان. فلسطين أديب فتال بدأت من نهر الأردن، البحر الميت وصولا إلى المتوسط. جميع مساحة الوطن شغلت ريشته، وتميزت برتقالات يافا بغزارتها وتداخلها مع العمران. صارت البرتقالة شباكاً باباً أو مصطبة. يمكن وصف معرضه هذا برحلة عبر التاريخ المُشرق، ورغبة دفينة لديه بتقديم التعايش بين الأديان عبر لوحته، ربما كرد فعل عفوي على الواقع الحالي في منطقة ملتهبة على مستويات دينية وسياسية. ماذا يقول الفنان أديب فتّال رداً على أسئلة «القدس العربي»:
■ لماذا سيطرت الأماكن الدينية على لوحاتك؟
□ لأن هنالك الكثير الكثير من الجوامع والكنائس منتشرة في أنحاء فلسطين، كذلك في أي بلد شرق أوسطي عربي.
■ أين ساعدك الواقع في صياغة هذا الحشد من المنمنمات في فنك وأنت لا تعرف وطنك؟
□ لقد كانت والدتي الفلسطينية المقدسية الأصل السبب في معرفتي بعوالم فلسطين، كونها كانت قد عاشت طفولتها ودرست المراحل الأولى من التعليم في مدرسة الراهبات في القدس. وأنا كسوري لم أزر فلسطين مطلقاً. لقد اطلعت على مدنها وقراها عبر الإنترنت.
■ العصفور والقمر والشمس تتوزع بين لوحاتك والعصفور مقيم دائم. ما هي الرمزية التي تريد التعبير عنها؟
□ تُعرف الطيور بأنها رمز للسلام. تعيش كي تأكل وتنام وتتعايش مع البيئة، من دون أن تلحق أذى بشيء مطلقا. أنا من الفنانين الذين يدعون للسلام والعصفور رمز بالنسبة لي. أما الشمس فهي مصدر للدفء والسعادة والحنان، وهذا ما أطمح لنشره عبر لوحاتي. والقمر هو رمز للشرق، ورمز للحب والشاعرية، وهذا أيضاً ما أريد أن أعبر عنه.
■ لماذا سميت أماكن فلسطين بأسمائها؟
□ تأكيداً على الوجود العربي الفلسطيني قبل وبعد الاحتلال الإسرائيلي.
■ كان للقدس الجزء الأكبر من معرضك. لماذا؟
□ لأن القدس هي عاصمة فلسطين وأكبر مدنها. وهي أيضاً مليئة بالكنائس والجوامع كونها مهدا للأديان السماوية.
■ ألوانك ولوحتك فرحة وزاهية بعكس حال فلسطين وأهلها تحت الاحتلال وفي الشتات. هل من مفارقة؟
□ أنا أرسم فلسطين الماضي والمستقبل، وليس فلسطين الحاضر. أرسم بطريقة تختلف عن الكثير من الفنانين الواقعيين الذين يصورون الدمار والشتات والحرب. أحاول تقديم جمال فلسطين الماضي وفلسطين المستقبل في أعمالي الفنية.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى