الاحتفال باليوبيل الفضي للمسرح المستقل في مصر: الفرق المسرحية المستقلة… سنوات التكوين وفضاءات التحقق

رانيا يوسف

مرت هذا العام الذكرى الخامسة والعشرون على التاريخ الذي وضعه المسرحيون المستقلون بداية لتأسيس حركة المسرح المستقل في مصر، حيث شكلت بداية التسعينيات نقطة انتشار كبير للفرق المسرحية المستقلة وتأسيس مهرجان المسرح المستقل، الذي ساهم في التعريف بتجارب هذه الفرق، التي لا تتمركز في القاهرة فقط ولكن تنتشر في كل المحافظات.
الناقد المسرحي عيد عبد الحليم قال خلال الندوة التي أقيمت على هامش الاحتفال بمرور خمسة وعشرين عاماً على المسرح المستقل في مصر، إن هذا التيار بدأ في مرحلة مفصلية في تاريخ مصر، حيث كانت الفنون المستقلة هي السائدة، وخلال الثلاثين عاما الأخيرة شهدنا تطوراً كبيراً لكثير من أنواع الفنون التي كانت تقدم خارج الإطار الرسمي، افتقدتها الأعمال الأخرى التي تنتمي إلى المؤسسة الثقافية الرسمية، لعدة أسباب أولها الصرامة الزائدة داخل هذه المؤسسات، والرقابة على هذه الأعمال، وتهميش أي فعل متمرد، حيث وجدنا أشكالا مختلفة من الثقافة المستقلة من المسرح حتى الشعر والسينما والفنون التشكيلية، وجدنا سمات بدأت تميز هذا التيار وكأنه حالة إبداعية مختلفة.

جماليات المسرح البديل

يرى عبد الحليم أن جيل السبعينيات حاول تقديم تجارب مغايرة عن الأعمال الرسمية التي كانت تنتجها الدولة، حيث بدأت مراحل الثقافة المستقلة مبكراً حتى إن لم تحقق أهدافا او نتائج ملموسة من البداية، لكنها امتدت إلى الثمانينيات وحتى بداية التسعينيات التي شكلت انطلاقة حقيقية للفنون المستقلة، ويشير إلى أن المسرح المستقل أخذ الكثير من النصوص الأدبية في بداياته، وشكلت الفرق المستقلة نموذجا للثقافة البديلة بعد مرحلة السبعينيات، ويؤكد أن الفرق المستقلة ليست منفصلة عن التاريخ المسرحي الممتد مع التجارب السابقة. المخرج أحمد إسماعيل وصالح سعد قدموا تجارب أثرت في الأجيال الجديدة للمسرحيين، فتجربة المسرح المفتوح التي قدمتها الفرق في ما بعد سبقهم إليها المخرج بهاء الميرغني من خلال فرقة الخيال، الذي حاول من خلالها أن يقدم التراث المسرحي المصري.

مسرح المواجهة ما بين الإرهاصات الأولى وفضاءات التجريب

يصف أهم مميزات تجربة المسرح المستقل، في محاولاته الدائمة للبحث عن هوية مسرحية مصرية وطنية، ويرى أن تجربة يوسف إدريس ويحيى حقي في تقديم هذا النوع لم تكتمل، لأنها عجزت عن الوصول إلى حالة التمسرح وتعميق التجربة، ويضيف أن من أهم المميزات التي تتمتع بها الفرق المسرحية المستقلة، أن من قام عليها هم مجموعة من الفنانين ذوي الخلفيات الثقافية، بمعنى ان من وثقوا لهذه التجربة مبدعون على قدر من الثقافة، المبدع غير المثقف لا يقدم على التجريب، لكن الفنان المثقف يحاول أن يستنبط من الحالة العامة أدوات يوظفها على خشبة المسرح، فوجدنا مثلاً الكثير من هذه التجارب تبدأ من استخدام النصوص الأدبية لشعراء وأدباء لهم جماهيرية، وهي نصوص إشكالية، مثل عرض «أنصاف الثائرين» عن قصة ليوسف إدريس. الكثير من هذه العروض كانت تنهل من الأدب بشكل أساسي وتعيد إحياءه وتقديمة بأسلوب ومضمون معاصر، وهذه إحدى خواص تجربة المسرح المستقل، الكثير من هذه التجارب بدأت في مرحلة فاصلة في تاريخ الوطن العربي، هناك عامان شكلا تغييرا في مسار تاريخ الحركة المسرحية وهما محور هذه التجربة، عام 1990 و2005، البداية والانتهاء هناك تجارب مستمرة إلى الآن، وهناك تجارب بدأت عام 1976، قدمت عدة عروض وساهمت في نشأة تاريخ المسرح الحديث، وهناك عروض بدأت عام 1990، التي كانت سنة أزمة في التاريخ العربي الحديث، بدأت هذه الفرق تؤسس لحالة جماعية من خلال مهرجان المسرح الحر، شاركت فيه مجموعة من الفرق التي شكلت بعد ذلك، تجارب أرست قواعد المسرح المستقل في مصر مثل فرقة الحركة وفرقة الورشة وفرقة المسحراتي، وغيرها من الفرق التي أكدت وجود هذا التيار.
التاريخ الآخر بدأ بعد حادثة محرقة مسرح بني سويف التي راح ضحيتها أكثر من خمسين من كبار المسرحيين في مصر، وتعد تجربة المخرج محسن مصيلحي
من أهم تلك التجارب التي وظف فيها التراث بشكل أساسي، في كل أعماله، اقتبس من المسرح الإنكليزي عدة نصوص، حولها إلى تجارب مصرية معاصرة، وقام بتمصير النصوص، كما تميز التيار الجديد للمسرحيين المستقلين منذ عام 2005، بانفتاحهم على تجارب غربية، لم تأسرهم تجربة المسرح المصري فقط وخرجوا لمشاهدة عروض في أوروبا وأمريكا اللاتينية، وعادوا مثقلين بالخبرات التي استثمروها جيداً في عروضهم، أبرزهم كانت المخرجة نورا أمين التي أسست لفرقة لاموزيكا أسلوبا خاصا، سواء في اختيار الموضوعات أو في اسلوب العرض، وقدمت أشكالا متنوعة من التجريب المسرحي، لم ينس المسرحيون الهوية المصرية رغم تأثرهم الواضح بالثقافات الغربية.
شهد عام 2005 اختفاء فرق وسطوع أخرى، لكن الملاحظ أن عددا من التجارب أصابتها حالة من الإحباط والكثير من التخبط وتحول بعضها، واتخذت شكل المركز الثقافي، وأصبح المسرح لديها حالة هامشية، بعضها مال إلى فكرة الدعم الخارجي وربما تجربة أو اثنتان هما اللتان استمرتا إلى الآن تقدمان تجارب مختلفة تحرك المياه الراكدة، وبعض التجارب انخرطت في العمل في السينما والتلفزيون، الفنان يمكن أن يتعاون مع مؤسسات الدولة، ولكن من دون فرض شروط، ويشير إلى الدور المهم الذي لعبته هدي وصفي في دعم تجارب المسرح المستقل اثناء فترة توليها إدارة مسرح الهناجر في الأوبرا.

أهمية أن تكون متمرداً

المسرح المستقل عاش واستمر بالتمرد على السائد والمحاولات المختلفة للتجريب ـ الذي بدأ حتى قبل التسعينيات، فهناك تجارب أخرى سابقة اجتمعت كونت تيارا مسرحيا حرا لا يمكن أن نغفل دوره، ومنها انبثق مهرجان شبرا الخيمة المسرحي الذي استمر على مدار خمسة عشر عاماً ، ومهرجان زفتي المسرحي المستقل.
ويؤكد عبد الحليم أن كثيرا من هذه التجليات والتجارب أثر في انتشار المسرح المستقل في مصر، خاصة أنها خرجت من إطار المركزية في القاهرة إلى المحافظات والمناطق المحرومة ثقافياً، خرجت للشارع وكانت تجارب تستهدف صنع حالة من الحياة الجديدة تصل إلى مرحلة التمزق تجعل من مفردات الحياة مسرحاً وتعيد تشكيل الواقع، أبرزها تجربة مسرح المقهى للمخرج ناجي جورج، وتجربة مسرح دنشواي التي أسسها المخرج المسرحي الراحل هناء عبد الفتاح فترة الستينيات، بعد أن تم تعيينه موظفا في مسرح الثقافة الجماهيرية في إحدى قرى الصعيد، أسس هناك بيتا ثقافيا واستغل البيئة الريفية التي وجد فيها، واختار من أهل المدينة ممثلين لهذا العرض، ومن الفلاحين شخصيات، واختار نصا قريبا منهم عن حادثة دنشواي الشهيرة، ونجحت التجربة نجاحا كبيرا، كان الفضل فيها لذكاء المخرج في اختيار موضوعه وإصراره على التجريب والابتكار، المسرح المستقل لعب دور مهما في ترجمة وجدان الحركة الثقافية المصرية، عندما كان الفعل الثقافي أكثر تمرداً، واستطاعت الفرق المستقلة مواجهة المؤسسة الرسمية.

جماعة مسرح الشارع وخطاب الهوية

ذكر الناقد المسرحي عيد عبد الحليم أن فرقة مسرح الشارع التي أسسها المخرج ناصر عبد المنعم عام 1976 استمرت حتى عام 1982 وقدمت عروضا كثيرة في شوارع المحافظات، وكانت لاتزال في مرحلة التجريب، وأكد أن ماهية المسرح المستقل كانت نواة للحركة الفنية المصرية في ما بعد، كل النجوم في السينما الحاليين خرجوا من مدرسة المسرح المستقل. وذكر أن العرض المسرحي «اللعب في الدماغ» الذي قدمه الفنان خالد الصاوي عام 2005، وحقق نجاحا كبيرا، شكل نقطة تحول في تاريخ المسرح المستقل رغم أنه كان أكثر العروض جماهيرية، لكنه أغلق التجربة كثيراً على بعض التجارب اللاحقة، المسرح المستقل فتح آفاقا جديدة للعرض واستغلت بعض العروض المساحات وقدمت عروضها في غرف وفي الشوارع وفوق السطوح، أو في قاعات صغيرة على هامش تعاون بسيط بين المستقلين ومسرح الغد التابع للبيت الفني للمسرح.

الحركة الجماعية للمسرح المستقل في ذمة التاريخ

ويختم الناقد المسرحي عيد عبد الحليم بالإشارة إلى أن استعادة فكرة حركة المسرح المستقل كما كانت أصبحت صعبة جداً، هناك عروض تقدم على مستوى جيد هنا وهناك لكنها عروض فردية لا يربطها أي إطار، ولكن الحركة المسرحية الجماعية للمسرح المستقل أصبحت الآن في ذمة التاريخ، أغلب المخرجين الذين شكلوا خريطة المسرح المستقل انصرفوا إلى العمل في مسرح الدولة أو العمل في التلفزيون والسينما، وبعضهم أعاد تكوين فرق صغيرة، لا يمكن أن نلوم هذه التجارب لأنها عملت في ظروف قاسية جداً إنتاجياً ورقابياً، رغم ذلك استطاعت أن تقدم حالة مغايرة جعلت منها بذرة ضخمة للحركة المسرحية المصرية.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى