مصورو «الشتات السوري» يحصدون جائزة البوليتزر الأمريكية

محمد حنون

للمرة الثانية خلال هذا العام، يحصد مصورو الشتات والهجرة السورية القسرية إلى أوروبا جائزة عالمية ثانية، وهي هذه المرة جائزة «البوليتزر» الأشهر التي تأسست عام 1917 في الولايات المتحدة الأمريكية، في حين أن الأولى كانت (صورة العام) في مسابقة «مؤسسة صورة الصحافة العالمية الهولندية» الشهيرة كذلك وذات المكانة الاحترافية الرفيعة في الوسط الصحافي؛ التي نالها المصور الأسترالي وارين ريتشاردسون، وكانت أيضا صورة لأب سوري يقوم بتهريب طفله الرضيع عبر الأسلاك الشائكة ما بين هنغاريا وصربيا. ولقد فازت منذ أيام مجموعة مصورين مناصفة لجائزة «البوليتزر» في الفوتوغراف الصحافي العاجل، وكانت الأسماء كالتالي: ماوريسيو ليما وسيرجي بونوماريف وتايلر هيكس ودانيال إيتر، طاقم مصوري صحيفة « نيويورك تايمز» الأمريكية، ويانيس براكيس وألكيس كونستنتينيدس وسردجان زيفلوفيتش وبيرناديت زابو وألكسندروس آفراميديس وستويان نينوف ولازلو بالوخ ومايكل دالدر، طاقم مصوري وكالة تومسون رويترز البريطانية.
منذ العام المنصرم وحتى اليوم، سيطر موضوع موجة أزمة المهاجرين من جنسيات متعددة إلى أوروبا، خاصة المهاجرين السوريين، على الصحافة الدولية، من حيث الخبر بشكل عام، ومن حيث الصورة بشكل خاص، حيث كثَّفت الوكالات العالمية من نشاطها الصحافي، خاصة الفوتوغرافي، في مناطق نزوح اللاجئين السوريين عبر الحدود ما بين دول أوروبا، وعلى سواحل وصول قوارب الموت، التي راح ضحيتها الكثير من السوريين.
تنوعت الصور الفائزة ما بين تلك التي حملت في طياتها وقائع واضحة ومعلنة للموت، وهي صور أقل ما يمكن وصفها بالكارثة الإنسانية، حيث تُرى جثث الموتى للمهاجرين السوريين، في ما تتلاطمها أمواج سواحل الحرية والأمان، كما آمن أولئك الذين هربوا من الموت إلى الموت. جثث أطفال وشباب ونساء، لم يتمكنوا من الوصول بعد أن تحطمت مراكبهم قبل أن يصلوا للشاطئ. صور أخرى كان عنوانها العريض هو «النجاة»، حيث التقطت عدسات المصورين لحظات وصول المهاجرين وملامح الارتياح الممزوجة مع البكاء على وجوههم، وخصوصا وجوه الآباء والأمهات وهم يضمون أطفالهم، بعد أن رأوا الموت يحف أطفالهم، ويقترب من أعمارهم القليلة أكثر من مرة خلال رحلتهم المضنية والخطرة. ولكن في صور أخرى كانت النجاة منقوصة ومبللة بالحزن، حين تكون قد فقدت العائلة أحد أفرادها في البحر، وغالبا ما يكون طفلا أو طفلة. ما لم تلتقطه الصور يومئذ هو ذلك الألم والإحساس بالفقد والذنب، الذي سيعيشه الوالدان ما تبقى من حياتهما.
أما تلك الصور التي وثقت قوات حرس الحدود في الدول الأوروبية، وهي تفرك ملح البحر على جِراح المبللين باللهاث وبالفقد والخوف، وتقوم بضربهم وإطلاق الغازات المسيلة للدموع واعتقالهم تارة، وحصارهم داخل أسلاك شائكة في ظروف جوية باردة وممطرة تارة أخرى. ثمة صور كهذه كان لها وقع مؤلم على صفحات الإعلام أكثر من صور الموت على الشاطئ، وهو ذاك الموت الموجع الذي يحدث مرة، فيما صور تُعرّض أهلنا السوريون للمذلة والإهانة هذه، والمعاملة اللاإنسانية؛ كانت بمثابة ألف موت وموت لكل واحد منهم.
ثمة صورة لأمهات افترشن الحقول، بعد تعب يوم من المسير، ينتظرن المجهول مع أطفالهن، وفي صورة أخرى تجازف عائلة بمحاولة التسلل عبر الأسلاك الشائكة. وفي صورة أخرى لمهاجرين فقدوا قاربهم، فتشبثوا بأطارات مطاطية، ، فيما أحدهم يحتضن فوق الإطار طفله الرضيع الذي يغلق عينيه، ولا شك أن الأب في لجة البحر هذه وفي ساعات الذعر هذه، لا يعرف تماما ما إذا كان طفله نائما أم ميتا.
تمكن مصورو وكالة رويترز وصحيفة «النيويورك تايمز» من تقديم صور صادمة للعالم، وتمكنوا كذلك من الاقتراب من المشهد وعيشه لحظة بلحظة. ليس من السهل تغطية مثل هذه الأحداث، ليس من الناحية المهنية فحسب، بل حتى من الناحية النفسية، فتغطية أحداث كهذه، أو تغطية الحروب، غالبا ما تترك أثرا لا يمحى في داخل المصور.
تركت هذه الصور بصمة إعلامية في العالم، وذلك لتوثيقها بجرأة عالية وقائع الشتات السوري وقوارب الموت، التي شكلت صدمة للبشرية، والتي تحولت إلى صور أيقونية تصدرت مجلات وصحف العالم. ستكون هذه الصور شاهدة إلى الأبد على مرحلة أخرى سوداء من تاريخ البشرية، وشاهدة على كارثة إنسانية أخرى، وهو ما جعل أولئك المصورين الذين نقلوا الحقيقة وتفاصيل المأساة للعالم، يستحقون الفوز بجائزة الفوتوغراف الصحافي العاجل لجائزة البوليتزر العالمية.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى