الشاعر عادل جلال المُنسق العام لـ «مؤتمر قصيدة النثر المصرية»:سُلطة الشعراء أكذوبة وجيل السبعينيات أخذ أكثر مما يستحق

محمد عبد الرحيم

«في الإبداع مُتسع للجميع»، وفق هذا الشعار تبلورت فكرة مؤتمر «قصيدة النثر المصرية»، وهو بدوره يسقط عدة أفكار أخرى تأصلت في حال الشعر المصري، كفرض أصوات بعينها، أو جيل بعينه يمتلك ناصية الشعر، حتى مجيء جيل آخر ينقلب عليه، ويؤسس لرؤية جمالية مغايرة جديدة. الأمر كما يبدو قائماً على المُشاركة أكثر منه صراعاً، وهو ما يعبّر عنه عدد الشعراء المتباينة رؤاهم الفكرية والجمالية. الأمر الآخر المهم هو وجود حالة الاحتفال الشعري في ظِل سيطرة وهيمنة طاغية للرواية وكُتّابها. وبعد انعقاد دورتين من مؤتمر قصيدة النثر المصرية، كان لـ«القدس العربي» اللقاء مع مُنسق عام المؤتمر، الشاعر عادل جلال للحديث عن المؤتمر وما انتواه وما تحقق حتى الآن …

□ كيف جاءت فكرة مؤتمر قصيدة النثر؟
■ جاءت فكرة المؤتمر عبر متابعتي للشعر في مصر والعالم العربي والعالم، من خلال ما قرأت مما تمت ترجمته. وبلا تحيز، كان واضحاً تميّز، بل لا أبالغ إذا قلت، تفوق وقوة وتنوع واختلاف في الرؤى والجماليات والمصادر الثقافية والمعرفية والذائقية، جعلني هذا أفكر في مؤتمر للشعر المصري، أو ما تواطأنا عليه بمُسمى (قصيدة النثر)، ولكن نظراً لظروف البلاد تم تأجيل الفكرة حتى ظهرت.
□ ما هي المعايير في اختيار الشعراء ونصوصهم؟
■ المعايير سؤال سلطة، وأنا لا أمنح نفسي هذه السلطة، حتى مَن كان يطرح عليّ هذا السؤال كنتُ أرد ببساطة «ضع لي قائمة بالمعايير وأنا سأنفذها». فإذا أقمنا مجموعة من المعايير ــ والمعايير غير الأسس والقواعد ــ فكيف الحال مع الذائقة والمزاج؟ وعليه كف الجميع عن طرح هذا السؤال، خصوصاً أنني أعلنت أن هذه المرحلة من المؤتمر مرحلة كميّة تتيح وتسمح لكافة الأصوات بالوجود ودخول المنافسة إذا جاز التعبير، أي أننا في مرحلة حشد وتجميع من دون إقصاء، وهذا حق للجميع وإلغاء لسلطة مَن يظن أنه يمتلك سلطة ما ليمنح هذا ويمنع ذاك أو ممارسة بطريركية لزجة كما أقول.
□ لماذا برأيك تغيّب الكثير من الشعراء عن المشاركة رغم توجيه الدعوة إليهم؟
■ هذا سؤال يطرح عليهم، وإذا أجبت أنا سأرفع الغطاء عن بعض السلوكيات المريضة، والشاعر في النهاية إنسان يجري عليه ما يجري على الناس ــ ويكفي أن أشير لسلوك بعضهم وبعضهن بأنه تورط، فدعه يغرق ــ نتيحة أمراض موروثة من الأجيال السابقة، وعلى رأسهم ما عُرف بجيل الستينيات، ومسألة المجايلة هنا أحد أدوات النصب، لأن الإبداع خارج وفوق وقبل هذه الألاعيب.
□ ماذا عن المتابعة النقدية وطبيعة الأبحاث خلال المؤتمر؟
■ المتابعة النقدية نعرف جميعاً مشاكلها، ولهذا قلت (مؤتمر) لمعالجة هذا الجانب، على الرغم من مشاكل النقاد والنقد في البلاد، ورغم ذلك صنع المؤتمر حراكاً نقدياً ستظهر نتائجه قريبا بما له وما عليه. ولعلك ذكرت كلمة «الأبحاث» وكلمة بحث جامعة مانعة لها شروطها الصارمة من الناحية العلمية، وهؤلاء هم الموجودون في مصر، ليس من قدرة المؤتمر إحياء بعض الموتى! أما عما قُدّم بالفعل، فدعنا نتفاءل، وهي كبداية أعتقدها مثمرة وطيبة مع كل العيوب التي أشرتُ إليها ومنها، سواء عند الشعراء أو النقاد «لا أحد منهم يعجبه شغل الآخر»، وهو عيب عالمي بالمناسبة.
□ ماذا عن اتجاه الكثير من الشعراء لكتابة الرواية؟
■ أنا عاشق للرواية، بداية من السينما في الطفولة والمسرح أثناء أو مع نهاية حراك الدولة في الفن، وأكتب المسرح، ولكن لسبب لا أفهمه مع عشقي للرواية منذ مراحل دراستي الإعدادية، لم أكتبها كفضاء مغاير ومختلف، أي شعرية أخرى وليست بديلاً. وأرى أن هذا التحول يعني تغيّر مجرى النهر لأسباب على رأسها ضعف منابع الشعرية أو خلل في رؤيتها وآليات عملها، فمن المعروف أن كل مبدع يمتلك أنهاراً مُتعددة، والفيصل في المحافظة على هذه الأنهار وتغذيتها. ولكن علينا أن نضع في الاعتبار مشاكل الحياة التي يواجهها المبدع المصري.
□ هناك مَن يصف المؤتمر بأنه مجرد تصفية للحسابات أو الهروب من سلطة الشعراء السابقين؟
■ تصفية حسابات مع مَن وضد مَن؟! أنا خارج الوسط تماماً، وخارج المؤسسة نهائياً، ولا أهتم سوى بالنص. وكان الشعار من البداية كرسالة موجهة .. «في الإبداع مُتسع للجميع». فلا إقصاء لأحد، وحاربت من أجل ذلك فأنا أكره الوصاية. وسلطة شعراء آخرين أكذوبة أخرى في الفن والإبداع، لا علاقة لها بهما، إنما علاقتها المباشرة بالسلطة المكانية، المُتمثلة في البحث عن المناصب والمكاسب، كذلك الاقتراب من السلطة السياسية عبر السلطة الثقافية. وكل ذلك خارج مدار الفن ولا يمت إليه. ولا أظن أن أحدهم ترك نصاً يحمل سلطة، إنما يحمل أثراً، فهذه طبيعة كل نص مبدع، ولا يبقى في الفن إلا مَن يستطيع الخروج من عباءة الآخر. والاستثناء الوحيد كان جيل السبعينيات، لسبب معروف في أن معظم هذا الجيل أخذ ومازال يأخذ أكثر مما يستحق، أسوة بجيل الستينيات المدمر للثقافة المصرية والشعر، وجاء جيل السبعينيات وأجهز على البقية الباقية من الشعر المصري، وابتعد عنه حتى كُتّابه، وهجر ما تبقى من جمهور بغموضه المُفتعل وتعاليه وركاكة بعضهم، بل تحولوا إلى صبيان للعرب وأصحاب وكالة لهم في مصر، وتحولت مصر إلى تابع، وهو أحد الحدود الفاصلة بين معظم جيل الثمانينيات وبين هذا الجيل. فبعض أبناء جيل الثمانينيات، بل والتسعينيات سلكوا هذا السلوك الإجرامي، وهذا أمر طبيعي داخل المجتمع المصري الذي يؤمن بقولة «إن فاتك الميري اتمرّغ في ترابه»، بكل ما تحمل من مساوئ. ولا أخفيك أن فيها جانبا سيكولوجيا يعرف بـ «العبودية المختارة»، وهنا مأزقي أنا الشخصي ومأزق المؤتمر والبلاد.
□ أنت تنتمي إلى جيل الثمانينيات في الشعر المصري، برأيك لماذا لم يحقق هذا الجيل ما حققه السبعينيون أو التسعينيون، وما قدمه هذا الجيل للقصيدة المصرية؟
■ جيل الثمانينيات صادفه سوء حظ قاس، فقد توقفت الدولة تماماً فخرج لا يجد منافذ نشر إلا خارج البلاد، هذه المنافذ التي سيطر عليها مصريو الشِلل من جيل الستينيات وما بعده، حتى عندما أصدرت الدولة مجلة «القاهرة» وما بعدها، سيطر عليها هؤلاء ثم هناك مشاكل أخرى اجتماعية واقتصادية واجهت هذا الجيل، فنشر بعضهم ــ وأنا منهم ــ ديوانه الأول في النصف الثاني من التسعينيات، وفي الوقت الذي كانت فيه أخبار الأدب تروّج لنموذج معين باعتباره نموذجا لقصيدة النثر، ولم تنشر هي أو غيرها إلا لمجموعة تحيا بين الشِلل وعلاقاتها، وأظنه مازال قائماً نوعاً ما وإن كان بدرجة أخف. وأظن أن الأمور لم تذهب سدى لمن استمر من هذا الجيل، فلا أحد يعرف أن معظمه جلس في بيته كمداً أو ترك ونسي أمر الإبداع يأسا.
□ بعد دورتين من المؤتمر ما تقييمك لما قدمه؟
■ أرى أن أول ما قُدّم هو الكشف ورفع الغطاء عن السلوكيات للكثير من الشاعرات والشعراء والنقاد وحجم الضحالة المعرفية التي يتمتع بها معظمهم، فخلطوا بين المُنسق والمؤتمر والفاعلين الآخرين من الشعراء والنقاد، بل حتى الصحافيين أو الإعلام. وزاد الأمر ضحالة أن تعرّض البعض لشخصي على صفحات الفيسبوك، وكلهم بالمناسبة من جيل السبعينيات ــ كنت وسطهم بحكم السكن ورأيتهم بعيني ورأيت ما فعلوه مع بعضهم بعضا، وكان سبباً أشكرهم عليه في كرهي للوسط الأدبي وابتعادي عنه، واعتبار الكتابة والقراءة متعة شخصية ــ فكان طبيعي من بعضهم هم وصبيانهم هذا السلوك، وهو الأمر الذي كشف عن سواد بعضهم وثقافته، على الرغم من محبتي وصداقتي الشخصية للبعض منهم. نعود للفاعلين، وكلها وحدات مختلفة لكل منها دورها ويُسأل عنه، وهناك الكثير من المثالب، وعلى الجانب الآخر صنعت حراكاً في جسد يحتضر، سواء أكان مؤسساتيا أو أهليا، حراكاً آخذاً في النمو والتطوير، ولكن في كل الأحوال أذكر أنه فعل جماعي ويحتاج إلى مبادرات ولو فردية، كما حدث في السويس من عضو اللجنة الزميل إبراهيم جمال، وكما حدث في بني سويف من الزميل خالد الصاوي. وهكذا ولكن وبكل أسف تربينا على أن نكون مفعولا بهم لا فاعلين.
وبالمناسبة .. حرصتُ أن يكون أحد إصدارات الدورة الحالية، ضمن مطبوعات الهيئة المصرية العامة للكتاب، فسنصدر كتاباً تذكارياً عن تاريخ تطور الشعر منذ نهايات القرن التاسع عشر، وحتى جيل السبعينيات، الذي سيقوم بتحريره الشاعر جمال القصاص. مع ملاحظة أن المؤتمر تنازل عن كافة حقوقه المادية في اتفاقه مع هيئة الكتاب. وعن بعض الاتهامات أضيف لك .. وهو الاتهام بـ»مصرية» المؤتمر ــ آه والله ــ ذلك من دون أن يكلف أحدهم نفسه عناء الاستفسار أو قراءة ما نعلنه أو تعلنه الصحف، كمشاركة شعراء من عدة دول عربية، إضافة إلى التنويه بمشاركات شعراء آخرين من دول أجنبية في الدورات المقبلة.
□ كيف ترى المشهد الشعري في مصر الآن؟
■ على الرغم من كل الأمراض والمساوئ ــ وهو أمر طبيعي ــ فالمشهد الشعري المصري الآن في أفضل أحواله وأقواها، وأظن أن المؤتمر سيساهم في ذلك على الرغم من محدودية الإمكانات وقلة الفاعلين.

 

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى