أرشفة الأمثال الشعبية.. إضاءة الحداثة بمصابيح التجربة

وسيم الزهيري

لم يرق للأستاذ الجامعي اللبناني رواد دلال تراجع الاهتمام بالأمثال الشعبيةغرد النص عبر تويتر بعد أن ترعرع على سماعها في بيئته الريفية، فقرر إطلاق مبادرة لأرشفتها وإحيائها من جديد.
وتعد هذه المبادرة فريدة في العالم العربي، إذ تهدف لأرشفة الأمثال الشعبية والحكم القديمة بشكل عصري لتعريف الأجيال الجديدة بها خوفا من محوها من الذاكرة.
وتنطلق المبادرة من الأمثال الشعبية والحكم الناتجة عن تجارب سابقة شكلت جزءا من الأدب الشعبي والتراث الثقافي الذي يعبر عن أوضاع الناس ويحثهم على فعل شيء ما أو يثنيهم عنه.
ويعرف عن العرب أنهم من أكثر الشعوب وأقدمها استخداما للأمثال الشعبية. وقد شكلت تلك الأمثال علامة فارقة في المجتمع اللبناني خاصة ولاسيما الريفي منه إذ تنتقل من الأجداد إلى الأبناء فالأحفاد.
وكثيرا ما ترد هذه الأمثال على ألسنة الناس لنسمع من يقول مثلا “إذا بدك تخرب بلاد ادعي عليها بكثرة الرؤساء”. ويعني (إذا أردت خراب بلد فادع عليه بكثرة الرؤساء)، في إشارة إلى أن تولي أكثر من شخص مقاليد الحكم يقود في النهاية إلى الفشل والتنازع.
ويقول مثل آخر “التعلم في الصغر كالنقش على الحجر” وذلك للحث على التعلم في المراحل الأولى من أعمارهم.
ويوضح رواد دلال أن مشروعه يرتكز على المزج بين طريقة كتابة الأمثال وأسلوب الغرافيكس العصري على أن يقدم بشكل جديد وسلس يذكر جيل الشباب بتراثهم ويحثهم على استخدام هذه الأمثال في حياتهم اليومية.
وأوضح دلال أن فكرته تتضمن قسما للأمثال الشعبية اللبنانية، فيما يضم قسم آخر أمثالا عربية وإسلامية وتحديدا من دول الخليج العربي.

نص مكثف
وتلتقي الأمثال الشعبية اللبنانية والعربية في المشترك اللفظي أو المدلول المعنوي رغم وجود صبغة لبنانية خاصة.
وينظر الباحث والأستاذ الجامعي نادر سراج إلى المثل الشعبي على أنه نص لغوي مكثف الدلالة ومختصر العبارات ووليد تجربة إنسانية لها علاقة بحدث أو بحكاية أو بعرف اجتماعي.
ويلفت إلى تسليع المثل الشعبي في هذه الأيام حيث يعمد معدو الإعلانات والبرامج التلفزيونية إلى اختياره بما يناسب واقع الحال السياسي والاقتصادي أو الرياضي أو الفني.
وقد لجأت المؤسسات التجارية والمصرفية إلى المثل الشعبي لأنه يخاطب الوجدان والعقل اللبناني مباشرة. كما جرى استخدامه -حسب سراج- في مناسبات سياسية لاسيما في الحراك المدني والمظاهرات خلال الأشهر الماضية على خلفية أزمة النفايات.
وما تزال الأمثال الشعبية تشغل حيزا هاما في الحديث اليومي في الأرياف اللبنانية مقارنة بالمدن.
ويقول الباحث في علم الاجتماع الدكتور سعيد عيسى إن الأمثال عبارة عن ثقافة تتناقلها الأجيال، و تراجع الاهتمام بها لأن حياة أبناء هذا العصر اختلفت وتأثرت بالثقافات الأجنبية.

توعية وتكييف
وشدد عيسى على ضرورة تكييف الأمثال مع التطورات الجديدة كترجمتها مثلا إلى لغات أخرى حية والاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي لإعادة إحيائها.
ودعا عيسى إلى توعية الأجيال الجديدة بأهمية هذه الأمثال الشعبية كونها ناتجة عن تجارب سابقة وخبرات يمكن الاستفادة منها في مختلف مجالات الحياة.
ويشكل المثل الشعبي خلاصة تجارب المجتمع، وقد يكون متشابها في مجتمعات وثقافات متعددة ذات مضمون واحد وإن اختلفت المصطلحات.
ويرى أستاذ الآداب في الجامعة اللبنانية الدكتور كامل صالح أن المثل الشعبي يتوالد نتيجة تكاثر المشاكل في المجتمع ويتطور متخذا أشكالا تواكب العصر كظاهرة انتشاره حاليا عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وأثنى صالح على أي مبادرة أو مسعى لإحياء الأمثال الشعبية بما يؤدي للمزج بين المضمون التراثي والفن الحديث.
ويشار إلى أن كتابات عديدة تناولت الأمثال والحكم الشعبية والعربية القديمة وعلاقتها بمجمل مناحي الحياة اليومية للمجتمعات على مر العصور.

 

(الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى