‘أصل الحكاية وطن’ .. صرخة احتجاج شعبية

قاسم ماضي

صدرت حديثا ًعن دار بابل ودار الحكمة للنشر والتوزيع الطبعة الثانية للديوان الشعري السادس للشاعر المصري المغترب المقيم في الولايات المتحدة – ميشيغن، عادل بسيوني، واختار الشاعر هذه المرة اللهجة العامية المصرية المحلية الدارجة للتعبير عن أفكاره وخلجاته الحسية، حيث سبق له أن أصدر عدة دواوين شعرية باللغة العربية الفصحى والعامية.

ويمكن اعتبار اختيار الشاعر للهجته العامية خيارا ًفنيا ًوجد الشاعر من خلاله فضاء مختلفا ً للخوض في إستعمال آليات شعرية معينة والغوص في قاموس اللهجة المحلية والتنقيب عن مفردات جديدة قديمة وصياغتها على نحو حديث لخلق مزيد من التأويل والاقتراب من ذاتية المواطن العربي البسيط وتوسيع دائرة التلقي.

الكثير من الشرائح التي يضمها المجتمع العربي تفضل أحيانا ً قراءة أو سماع الشعر الشعبي، بخصائصه الفلكلورية وموسيقاه المحلية ولاسيما حينما يلامس حالة وجدانية خاصة، وتميزت لغة بسيوني في هذا الديوان بعمق الطرح وجزالة المعنى وهو يناقش الكثير من القضايا الجوهرية للمجتمعات العربية وما حل بها من فجائع، وقد اختار الحديث عن واقع بلده مصر وما ينوء به من مشكلات إبان فترة الحكم السابق وفترة الاخوان المسلمين وما تخللها من أحداث الثورة، وتمثل أبياته الشعرية إزاء هذه الموضوعات التقاطات بصرية من وحي الاحداث السابقة.

ويمكن القول إن قصيدة “وآخرتها يا عبدالعال” هي تلخيص للمشهد القائم إبان فترة حكم مبارك حيث يقول:

يا ريس إدينا مجال

يا ريس هدي الاحوال

واسقينا من نهر النيل

دايخين من مينا ل مينا

بنقسط أيام أفراحنا

ونسدد أحزان ليالينا

وأفندينا راضي بالحال

مرتاح بقصر القبة

في جناين والارض بَراح

وعيالك هجين في الشارع

ف ِ مبرك وأنت َالملاح

والمتأمل لابيات الشاعر عادل بسيوني يجد أنه يحاول نسج صرخة احتجاج على ما يعتري الجسد العربي من وهن عبر تساؤلات ومحاكمات صيغت بصنعة شعرية مكثفة ومختصرة تفاديا ًللوقوع في فخ الخطابية، ذلك لان الجملة الشعرية لها اشتراطاتها الفنية التي لا بد للشاعر الا يغفلها في خضم انسياقه مع الحالة الحسية الحماسية للفكرة المراد طرحها ضمن القالب الشعري.

ولأن الشعر منطوق لغوي يرتبط بالاحساس واللسان والمعرفة والثقافة ويترجم ما هو داخلي من تصورات وأفكار للآخرين باستعمال مفردات ونطلق على تلك التصورات أو نسميها أغراضا ً وتتجسد عبر شكل القصيدة كأن تكون قصيدة رثاء أو هجاء أو غزل.

وفي هذا الديوان حاول الشاعر تضمين ديوانه عددا من تلك الاغراض إلا أن الطابع السياسي قد غلب على معظم قصائده ربما لأن رماد الحرائق السياسية العربية حجبت الكثير من الموضوعات الإنسانية الاخرى، ومع ذلك احتوى الديوان على عدد من القصائد الغزلية العاطفية، فضلا ًعن قصائد اشتغلت على التهكم والسخرية من تجليات الواقع المظلم الذي يعيشه العالم العربي، ومن قصائده الغزلية “بحبك وأنا المجنون”:

أنا يا حلوة من غيرك

مليش مطرح

عاشق جمال الكون

لما الشجر يطرح

بحبك وأنا المجنون

بحبك زي ما يكون

وقد يكون أحد الاسباب التي دعت الشاعر الى كتابة ديوانه باللهجة العامية هو ميله لتحقيق عامل العمومية الذي يعتبر من العناصر المهمة في دراسة الظاهرة الشعرية لأن هذا المصطلح في جوهره يعد مصطلحا ًسياسيا ًواجتماعيا ًولأن الخطاب الشعري في هذا الديوان متمحور على قضايا في مجملها عامة وإشكالية لذا قام الشاعر بتوجيهها عبر مفردة شعبية عامة لها تأثرها عند سامعها المحلي (المصري) أو المواطن العربي.

لم يتوان الشاعر في محاكاة الواقع العربي الملتهب في بقاع مختلفة فبعد أن تناول الواقع المصري عبر عدة قصائد اختزنت من الصور الشعرية الجميلة التي نسجت على بحور متوسطة وبسيطة لم يتوان الشاعر بسيوني عن معالجة الواقع الملتهب في كل من العراق وسوريا وليبيا واليمن والسودان وجاءت كل قصيدة تحمل عنوان البلد العربي الذي أراد تناول مآسيه من زاوية معينة وقد تميزت قصائده بجمال المفردة وإنسيابية المعنى وحلاوة التصوير.

ولم تفت الشاعر فرصة هجاء تجربة الاخوان المسلمين في مصر عبر قصيدة “كنت فين لما اندبح قلبي”:

متداري موجود فين؟

تقدر تقولي بلحيتك

واقف في خندق مين؟

عابد أنا وسلفي

وإن قلت أخونجي

هقول أنا الاثنين

النهارده جاي بتجري على الإمارة

جاي وناصب ميت كمين

تاجر بدم اللزيي

واللي واكل زيي طين

واللي راحوا في الميدان

تاجر بدم الميتين.

ويشار إلى أن الشاعر المصري المغترب عادل بسيوني، نشر معظم قصائد هذا الديوان في صحيفة “صدى الوطن” اللبنانية التي تصدر في ديربورن بولاية ميشيغن الاميركية، ويمكن القول بأن ديوان “أصل الحكاية وطن” يمثل وجهة نظر مواطن عربي انطلق من نافذة وطنه مصر لتنثال الرؤيا نحو بلدان عربية أخرى.

وكان الشاعر المذكور قد أصدر عددا ًمن المجموعات القصصية والدواوين الشعرية بين العامي والفصيح وتنوعت موضوعاتها بين السياسي والوجداني والعاطفي، وهو مهندس وعمل في مجال الهندسة، فضلا ً عن عمله في عدد من الصحف الاميركية والكندية.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى