هالة نهرا.. كيف نفكّر موسيقى اليوم

صفوان حيدر

هي هالة نهرا التي في كتابها النقدي الأول «إضاءات موسيقية وفنية» الصادر عن «دار الفارابي»، وهو مجموعة من الدراسات الموسيقية النقدية والفنية يجمعها هاجس النقد النظري والعملي. تحاول هالة في كتابها لملمة الآراء النقدية التي تتقاطع وتتفاوت حتى أننا نجد في الأشياء كلها كل الأشياء.
من منظور الأغنية العربية تتطرق هالة الى إشكالية الأغنية في ضوء الحراك العربي الذي تجده أقرب الى الفوضى منه الى المسار الثوري، مع أنه لا يستهان بأهمية الفن الموسيقي ـ الغنائي في سبر غور الأزمات والاضطرابات السياسية، وطنية كانت أم قومية. ويحتل الفن الموسيقي والغنائي مكانة خاصة نظراً إلى الحاجة إليه في ظل الانعطافات السياسية – الاجتماعية الكبرى التي يتقاطع ويتداخل فيها التغيير والتعبير كفيديو كليب الربيع العربي المهدى الى محمد البوعزيزي مفجر الربيع العربي. وكنشيد الثوار من مصر، شعر مصطفى إبراهيم في زمن الثورة المصرية.
في «رسالة حب إلى فيروز» نجد عند هالة عربون محبة لمدينة اسمها فيروز كبيروت، أنزلها زياد عن عرشها الفيروزي فتحولت إلى امرأة من لحم ودم، في عالم لا يعيش فيه الدجل مع الغزل الصادق ولا يعيش فيه الابتذال والإسفاف والتفاهة مع الارتقاء والشموخ والأصالة. ومع أن الرحابنة (القدماء) دثروا مسرحهم الغنائي بغلالة مثالية، فقد نقل زياد الفن الرحباني الى الواقع الأرضي الصاخب بالحياة من «عهدير البوسطة» وتسجيل «ولا كيف» بأسلوب الفن الموسيقي المواكب لزماننا.
ترى نهرا أن أبرز ما صدر في النطاق الفني الغنائي – الموسيقي المحلي الأكاديمي تمثل في عمل «سقوط القمر» لمرسيل خليفة. وتكشف نهرا بكتابها عن إنجاز موسيقي كبير للموسيقار الراحل رياض السنباطي باسم «لونغارياض» يؤديه رياض على العود أو غيره من الآلات ويعكس ذهنية جديدة في التأليف الموسيقي العربي لا تقتصر على سرعة القطعة ولا تقوم على التمغط والحشو الطافح بالتوشية. وقد حثت هذه اللونغا العديد من المؤلفين الموسيقيين على كتابة قوالب عزفية (سماعيات، لونغات، بشارف) تقوم على حرية القالب الموسيقي (صفحة 109).
في حوار هالة مع الفنان أسامة الرحباني نكتشف عند أسامة تقمصاً غيفارياً، فهو يقول إن أحلام غيفارا لا تعرف حدوداً .. ويستثمر أسامة شخصية غيفارا الأسطورية الحية في قصيد سيمفوني أدته الأوركسترا اللبنانية الفلهارمونية في لندن. ويرى أسامة أن الإنسان كغيفارا يذهب الى موته وحيداً، بعد التخلي عن الألقاب والشهرة والمال والمناصب.
أيضاً تعرف هالة مفاصل تجربة الفنان مرسيل خليفة في اعتماده على أسلوب التوزيع المتقشف المرتكز على الهوموفونيا في الغناء، كما يتبدى ذلك في أغنية «عيناها» (ص140). ولا تخلو موسيقى خليفة من تصعيد وتدفق أوركسترالي يختزنان شحنة تعبيرية نغمية عالية تجمع روح الشرق والمدرسة الموسيقية الروسية، وهذا ما تجلى في «الكونشرتو العربي» المتدثر بالبشارف واللونغات السنباطية خصوصاً في عمل خليفة «كونشرتو الأندلس» (ص144).
وتتصدى هالة بجرأة لمسألة شائكة كجمالية الموسيقى العربية، حيث تقرر أن معيار الجمالية الموسيقية هيتروفوني تعددي زاخر بتنوع المقامات والإيقاعات (ص173). وتدرج نهرا الفن الغنائي الاستهلاكي (هيفا وهبي ـ أليسا ـ فضل شاكر) في إطار فن البوب الشرقي، أي الفن الشعبي الشرقي مع ملاحظة أزمته التعبيرية وإشكالاتها الاجتماعية.
في بحثها العملي عن جمالية الموسيقى ترى الكاتبة نهرا أن الأغاني العربية تكاد تنحصر اليوم في سبعة أو ثمانية مقامات: العجم ـ النهاوند – الحجاز ـ الكورد – الرست ـ البياتي ـ السيكاه، والصبا. وثمة مقامات في طور الانقراض كالزنجيران والستنكار. إضافة الى القوالب الغنائية المهملة كالدور والموشح والطقطوقة والمونولوج والسماعي. وفي مقابل الهرمونيا الغربية تقوم الموسيقى العربية على الهيتروفونيا من دون أن يقلل ذلك من صفاتها الجمالية الخصوصية (ص 184).
يختزن هذا الكتاب تنويرات كشكولية موسيقية وغنائية وفنية متنوعة ومتعددة، إنه ثروة نقدية غنية تنعش تراثنا النقدي الموسيقي المعاصر وتبث فيه حيوية متجددة.موسيقى

 

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى