جان بيير تورن.. رسائل إلى مخرج شاب

محمد بنعزيز

«ما سأقوله هو وصف حالة وليس قاعدة تلزم باتباعها» هكذا بدأ المخرج الفرنسي جون بيير تورن في «ماستر كلاس» بمهرجان الفيلم الوثائقي بمدينة آغادير الدورة الثامنة والتي جرت فعالياتها بين الثاني والسابع من أيار الحالي. كان الدرس مفيداً في ظل تزايد اهتمام الشباب بالفيلم الوثائقي بعد الربيع العربي دون التمكن من ميكانيزمات العملية الإبداعية. الدرس عبارة عن رسائل لمخرج شاب على مقاس رسائل لشاعر شاب لرينير ماريا ريلكه ورسائل لروائي شاب لماريو فارغاس يوسا.
بدأ جون بيير تورن التصوير في سن السادسة عشرة لأن والده كان يتوفر على كاميرا. عاش ثورة 1968 وتأثر بأجواء الحي اللاتيني. رأى الرايات الحمر ترفرف على أبواب المصانع وقد صور تدخل الشرطة. كان ماوياً وكان الماويون يقولون «لتعرف طعم فاكهة يجب أن تتذوقها». ترك الدراسة وذهب للعيش مع العمال ليعرف حياتهم. وحين انتقده والده أجابه «الفن لا يُتعلَّم في المدارس».
في توجيهاته لعشرات دارسي السينما الذين تابعوا مداخلته قال جون بيير تورن لمخرج المستقبل: «ليس الفيلم الوثائقي هو أن تضع كاميرا وتصوّر ما يجري. التحضير ضروري. لا تصور الخام. دقق كيف تولّد الحقيقة من شخصيتك. إدفعها لتنكشف. (في لفظ التوليد إحالة على القابلة وهو لقب سقراط الذي يولد الأفكار من ذهنية محاوريه). قدّم بورتريهات أشخاص ولا تقدّم مواضيع. يجب حكي بورتريه الشخصية بوسائل سينمائية».
يجب أن يعرف المتفرّج من أين يصوّر المخرج؟ لا بد من موقف. لا مكان للحياد. وقدّم مثالاً للمواجهة بين الشرطة والعمال. يجب أن تحدّد أنت مع مَن؟ أن تكون محايداً معناه أن تقف في الوسط تتلقى الضربات من الجهتين.
في المناقشات التي تلت المداخلة قدّم خلاصة تجربته وطريقة عمله قائلاً بأن تصوير فيلم مثل علاقة حبّ تُبنى. ويضيف «بعد التصوير لا أضع تعاليق على أفلامي فقط أركب شهادات الشخصيات لتظهر التناقضات وحينها سيكتشف المتفرّج الموقف. دقق: من أين تصوّر؟ ما وقعك؟ دقق المسافة بين الكاميرا وبين مَن تصوّره. حدّد ما سيكون خلف شخصيته هل حقل أم جدار؟».
وفي إشارة ساخرة لمن يعتقد أنه سيصوّر دون أن يكتب قال المخرج: أن تكتب الوثائقي الذي ستصوّره معناه أن تعمل على نفسك قبل أن تعمل على الشخصية التي تصورها.
لتجنّب الارتجال يقول المخرج للشاب: دقق هل ما تصوره. هل يستحق أن يُصوّر؟ عندما تصور خذ لقطات قصيرة لتسهل عملك في المونتاج. حدّد الكادر مسبقاً ولا ترتجله. ابحث عن الحقيقة الإنسانية واعرضها في لقطة. الحقيقة ليست جاهزة مكشوفة تنتظرك. ولّد الحقيقة لكي لا تقتصر على تصوير بؤس العالم. خاطب الناس بصدق ولا تتسرّع لتُمسِك بحميمية من تصوّرهم. الناس حذرون ويحتفظون بمسافة ومنهم يكذب. مَن يصوّر بسرعة يحصل على الظاهر والكليشيهات.
قبل التصوير احسم في مَن سيتحدّث وأين سيتحدث. ابحث عن ديكورات تقوي دلالة ما تصوره. لا بد من الانتقاء. صور شخصياتك في فضاءات مفتوحة ليكشفوا عن ذواتهم.
يضيف المخرج: لا تصوّر الموضوع. صوّر حالات وهنا لا بد من كاستينغ. صور وقائع ومشاعر. حتى الذكاء يمر عبر المشاعر. للفيلم بنية مقدمة ووسط وخاتمة. احرص أن يسري الدم في جسده. أحبّ ما تفعل. الفيلم حب. ستأخذ عندما تعطي. هنا يختلف الفيلم عن الروبورتاج الذي يسمح لمصوّر التلفزيون بالوصول وبدء التصوير بعد دقيقة».
قدّم جون بيير تورن سرداً خطياً لتجربته معززاً الخلاصات بالصور. واضح أن هذا «ماستر كلاس» تم تحضيره وليس مرتجلاً كما يقع في كثير من المهرجانات.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى