زينة دكاش.. مسرح السجناء العصابيين

فاتن حموي

رسالة إنسانية مغلّفة بإطار مسرحي تحملها المعالجة بالدراما زينة دكاش بعنوان «جوهر في مهب الريح»، تعرض اليوم وغداً، الثالثة بعد الظهر، في سجن رومية على أن تعرض أيضاً في الثامن عشر والتاسع عشر من الشهر الحالي والثامن والخامس والعشرين من الشهر المقبل. دكاش ليست مجرّد معالجة بالدراما، بل إنّ عملها ينعكس على المجتمع ككلّ، من حيث أنّ كلّ عمل تقوم به دكاش يترافق مع دراسة قانونية ونفسية ومحاولات لتعديل القوانين الجائرة في حق المنسيين من المعنّفين والمرضى النفسيين والمساجين، «المسرح رافعة المجتمع نحو الأفضل» عبارة تكرّرها دكاش إذ إنّ الحياة هي عمل دؤوب ومحاولات حثيثة وصبر وإصرار للوصول إلى المبتغى في تحسين أوضاع المجتمع عبر إيصال الصوت والتعبير والأنفاس والأوجاع.
تروي دكاش حكاية «جوهر» ـ الحمار الذي وُضعت صورته على أفيش المسرحية ـ في حديث خاص لـ «السفير» فتقول «أجريت علاجاً بالدراما في مبنيين في رومية، أحدهما هو المبنى الاحترازي (وهو غير احترازي بالطبع) ذي اللون الأزرق الذي يضم حوالي الأربعين من المساجين المرضى النفسيين، والمبنى الثاني يضم أغلبية المحكومين بالإعدام والسجن المؤبّد، وفي أحد التمارين مع المساجين سألتهم أن يختاروا حيواناً يحترمونه ويقدّرونه فكان الحمار هو الخيار المشترك عند 99 في المئة من المشاركين في العلاج. وعللوا الأسباب بأنّه صبور وغير مؤذٍ وذكي وعنيد. هم أيضاً لا يصارعون من أجل التغيير بل قبلوا بواقعهم وبالتالي حين سئلوا كيف ينظرون إلى الحمار فقالوا «مثلنا مثله في مهب الريح»، أي لا مستقبل لديه ولا أحد يوّد البتّ في أمره. هم باقون في السجن لأنّ القانون يحتّم بقاءهم إلى حين الشفاء في حين أن لا شفاء تاماً للمرضى النفسيين بل من الممكن أن تستقر حالاتهم أو أن لا تشكّل خطراً، لكن لن يقول معالج نفسي بأنّهم من الممكن أن يشفوا».
في مهب الريح
لا تنمّ المسرحية عن تشاؤم بحسب دكّاش بل تنمّ عن واقع كون المساجين في مهبّ الريح، «ففي حين أنّ المحكومين بالإعدام أو المؤبّد بات يشملهم تخفيض العقوبة بسبب حسن السلوك بعد تعديل القانون 463 منذ ست سنوات، إلا أنّ قلّة قليلة استفادت من هذا هذا التخفيض بسبب شرطين تعجيزيين، فعليهم إمّا أن يدفعوا التعويضات الشخصية التي قد تصل إلى 200 أو 400 مليون، أو عليهم الحصول على إسقاط حق من عائلة القتيل على سبيل المثال، وحين نقرأ مقارنة بين كلّ دول العالم نجد أن هناك فصلاً بين الحق العام والشخصي، لذلك هم أيضاً في مهب الريح».
العمل المسرحي الذي يجب أن لا تتعدّى مدّة عرضه الساعتين إلا ثلثاً بحسب دكاش هو كناية عن لوحات عدّة من إخراج نزهة حرب وروزي كوفتجيان، سيعرض في مبنى المحكومين في قاعة خصّصت لعرضه، وسيصار إلى تصويره وطبعه على أقراص مدمجة كي يتسنى لأكبر عدد من الناس متابعته، «أربعون ممثلاً على المسرح ضمن لوحات غير مترابطة تشبه ما يدور في عقل المريض النفسي، سننتقل من صور إلى أخرى، منها لوحات عبثية مع مرافقة موسيقية غير مبنية على نص، وهناك لوحات راقصة تعبيرية تحت إدارة الكوريغراف بيار خضرا، ومن خلال شاشة LCD سيشاهد الجمهور المرضى الموجودين في المبنى الأزرق وهم أكثر من أربعين، إذ إنّ مرض بعضهم شديد ولا يمكنهم ترك المبنى للمشاركة على المسرح».
شؤون بيروقراطية
نسأل دكّاش عن المعوّقات أمام عملها في السجن فتقول «نحن نعمل في مكان أمني عقابي، وبالتالي يحصل أن أسال عن علي أو طوني من المشاركين في العمل لنتدرّب فأجد أنّهما نُقلا إلى سجن آخر أو مبنى آخر كعقاب تأديبي، وقد يكون هذا العقاب قديماً منذ أكثر من شهرين أحياناً، لكنّها شؤون بيروقراطية. إذاً زينة موجودة والممثلون غير موجودين وعليّ أن أدبّر الأمور، وبالطبع أحترم طريقة سير العمل في السجن، لكن العقاب والتأهيل يتصارعان مع بعضهما البعض، وهذا يستدعي بذل طاقة مضاعفة لإقناع المسؤولين في السجن أنّ عليّ متابعة تأهيل المساجين، لأنّها المرة الأولى التي يقومون فيها بعمل جيّد في حياتهم، وقد يتوقف عملي ثلاثة أسابيع لحين الانتهاء من الأمور السلكية والمسلكية. هذا فضلاً عن أنني أعمل مع أشخاص مراسهم صعب، إذ أعلن أن التدريبات تبدأ عن العاشرة فيصل المساجين عند الحادية عشرة والنصف، هم غير ملتزمين بحكم أوضاعهم، وهم غير معتادين على العمل ضمن فريق».
تعلن دكّاش أن هذا العمل المسرحي هو ضمن مشروع متكامل نفّذته جمعية «كثارسيس» بدعم من الاتحاد الأوروبي، وبالتعاون مع وزارة الداخلية والبلديات ووزارة العدل، وهو مشروع يهدف إلى تحسين الوضع النفسي والقانوني للسجناء ذوي الأمراض النفسية والسجناء المحكومين بالمؤبّد، ويضمّ أربعة أجزاء، «مسرحية جوهر، ومشروعي قانون لتحسين أوضاع المرضى النفسيين والمحكومين بالإعدام والمؤبّد الذي سيقدّم في حزيران، وقد أجرينا اجتماعات عدّة مع مجلس النواب، والدراسة النفسية التي أبصرت النور حول الموضوع عينه، أمّا الجزء الرابع فهو الدراسة القانونية المقارنة والتوصيات، ومن المقرّر أن ينتهي العمل عليها نهاية الأسبوع الحالي».
وفي الختام تقول دكّاش إنّها بحاجة إلى فترة طويلة من الراحة بعد هذا العمل المضني الذي استغرق سنة ونصف السنة، ولكن ما إن تنتهي من هذا العمل سنشهد انغماسها بمشروع جديد كما عهدناها.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى