ناجي شاكر وإبداع 7 عقود من «عرائس» نابضة بالحياة

وئام يوسف

«في الفنون نجوم هادئة بعيدة، تبعث ضوءاً إنسانياً مستمراً ودافئاً، ترى نورها من بعيد وتذكرها، وعندما تقترب ترى النور يضيء ما حولك وداخلك». هكذا اختصر الكاتب علاء الديب الفنان ناجي شاكر، «مبدع الماريونت» – هذه المجسّمات الصمّاء التي تحوّلت على يده إلى شخوص نابضة بالحياة والبهجة، فكانت عروضه أمارات في تاريخ مسرح العرائس في مصر. كيف لا وهو عميد هذا الفن ومؤسسه منذ عام 1959. ولا يزال في جعبة ابن الرابعة والثمانين حولاً الكثير من الأحلام، طالما لم تثقله السنون إلا درايةً وفقها. وقد استأهل الاحتفاء الذي استضافه مركز الجزيرة للفنون تحت عنوان «ناجي شاكر معرض استيعادي» 27/4-19/5 برعاية وزارة الثقافة المصرية. تضمنت الاحتفالية معرضاً فنياً يُقدّم إنجازات شاكر عبر ما يزيد عن السبعة عقود، بالإضافة لعرض أوبريت عرائس «الليلة الكبيرة» وفيلم «حمار شهاب الدين».
قدّم ناجي شاكر العام المنصرم آخر روائعه، عرض ضوئيٌ تخلل المعرض، وهو عبارة عن تركيبات ضوئية منوّعة: «العرض استمرار لتجارب ضوئية نفذتها في المسرح في ستينيات القرن الماضي، كان آخرها «مدينة الأحلام» 1965. عرض موسيقي مرفق بتشكيلات ضوئية، ليبقى حلم تصميم عرض للبعد الرابع للمسرح يراودني مدة أربعين عاماً».
لم يتخلل المعرض سوى عروسة واحدة من تصميمات شاكر، «ريحانة» شخصية في أوبريت «حمار شهاب الدين»، يعلّل بأن العرائس ملك للمسرح، إلا أنه فضل عرض «ريحانة» – حبّه الأول كما يقول – «صممتُها خلال منحتي الدراسية في ألمانيا بعد 3 سنوات من غيابي عن مصر، فبعد أن أرسل لي صلاح جاهين نص العرض، قرأته وبدأت بتصميم العروسة وقد أفرغت فيها كل الحب والحنين»، مضيفاً أنّها أيقونة تمثل آلاف المصريات، فهي الفلاحة الفقيرة القانعة بما وهبتها الحياة.
إلى جانب «ريحانة» صمّم ناجي شاكر 38 شخصية أخرى تضمنت أوبريت «حمار شهاب الدين» التي عرضت للمرة الأولى على خشبة مسرح الموسيقى العربية 1962، وعرضها الأخير كان أول أمس في مركز الجزيرة للفنون.
عودةً إلى فترة الدراسة في كلية الفنون الجميلة ـ خمسينيات القرن الماضي ـ وكان قد شاهد شاكر عرض «حلم ليلة صيف» لشكسبير، تقديم عرائس الماريونت. خمسون دقيقة كانت بمثابة النداهة التي ندهته وأدخلته عالم العرائس، فكان مشروع تخرّجه ـ وهو الأول من نوعه ـ «عقلة الإصبع» عروسة ماريونت مستوحاة من قصص الفلكلور المصري، بعد ذلك تعمق في دراسته لفن العرائس وفهم الميكانيزم الخاص بها، على يد مدربين وخبراء رومان، وعام 1959 قُدّم أول عرض لمسرح العرائس المصري، مسرحية «الشاطر حسن» التي افتُتح بها مسرح القاهرة للعرائس.
«الليلة الكبيرة» أغنية كتبها الشاعر صلاح جاهين ولحنها سيد مكاوي، في حين حققت صدى جيداً عند عرضها في الإذاعة المصرية، يؤكد شاكر مشيراً إلى انبهاره بها «عام 1960 اقترحتُ على جاهين ومكاوي تقديم الليلة الكبيرة على شكل عرض عرائس، ونزلنا الموالد المصرية بهدف تحويل الأغنية لأوبريت مدته ساعة، ثم أعيد تسجيلها وقدّم العرض في مهرجان العرائس في بوخارست وقد حصدت الجائزة الثانية من بين 27 دولة أخرى مشاركة».
الجذور العربية
في ما بعد أصبحت «الليلة الكبيرة» واحدة من الدرر الموسيقية في فنّ العرائس على مستوى الوطن العربي. يعلل شاكر ذلك لأنها نتاج عبقري لجاهين ومكاوي إضافة لارتباطها بروح الجذور العربية والمصرية تحديداً، حيث البساطة والصدق والتراث الأصيل.
وفي عالم السينما كان لشاكر مساحات إبداعية أفردها بلغات تشكيلية عدة، كان أحدها فيلم «شفيقة ومتولي». وهو واحد من عيون السينما المصرية. وقد صمّم شاكر الديكور والملابس، تخلل المعرض قسم خاص به. «شفيقة ومتولي» 1878 سيناريو وحوار صلاح جاهين وشوقي عبد الحكيم، إخراج علي بدرخان بطولة سعاد حسني، وقد تمتّع الفيلم برؤية بصرية عالية قدمها البناء التشكيلي الذي صمّمه ناجي شاكر للديكور والملابس وقد استحق عليه جائزة المهرجان القومي للسينما.
«صيف 70» إنجاز سينمائي كتبه وأخرجه ناجي شاكر سنة 1970، خلال بعثة تعليمية في إيطاليا، متكئاً على ولعه بالسينما وكاميرا سعى من خلالها على تحليل الواقع وتجرّده من صورته المألوفة، عام 2010 استقر الفيلم في متحف الفن الحديث «Moma» في نيويورك، ضمن مقتنيات الأفلام التجريبية. ولا بدّ من التعريج على بوسترات الأفلام والمهرجانات التي نفذها شاكر ـ بالكثير من الحبّ، كما يقول ـ وقد خصّصت مساحة لها في المعرض، من الأفلام «اسكندرية ليه، المصير، الآخر، إخراج يوسف شاهين».

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى