«جدران بيروت المدينية».. متحف في الهواء الطلق

محمد شرف

إذا كانت منابع الغرافيتي الأولى تعود إلى العصور القديمة، فإن هذا النوع من النشاط الإنساني يختلف، في شكل عام، عن فن الرسم الجداري ـ الـ « فرسك «، المتميّز بصفات مختلفة تجعله جزءاً من الفنون التشكيلية. كما أنه ، من ناحية أخرى، تصنيفية، يصعب إطلاق تسمية «غرافيتي» على رسوم الكهوف العائدة إلى العصور الحجرية، لكونها نُفذت لأهداف قائمة في ذاتها، ومرتبطة بطبيعة ذاك العصر وحاجاته. على أن الغرافيتي، عدا عن كونه ذا طبيعة سريّة وغير قانونية من حيث الأساس، يكتسب أهمية أثرية، إذ يمثل أحد الشواهد الشعبية واللاأدبية الحيّة، التي تكشف لنا بعض المظاهر غير المروّية من طريق الكتابة للمجتمعات التي ظهرت فيها هذه الرسوم. هذا، وقد تنوّعت موضوعات الغرافيتي على مرّ التاريخ، بدأً من الدعايات الانتخابية وعبارات تشجيع الرياضيين (المصارعين في العصر الروماني)، مروراً بالرسائل والشعارات السياسية والدينية، وصولاً إلى العبارات الإيروتيكية ذات الطابع الشخصي.
المعرض الذي تقيمه غاليري «مارك هاشم» تحت عنوان «جدران بيروت المدينية»، الذي سيُفتتح غداً الثلاثاء، الساعة السادسة مساء، يُعتبر سابقة ضمن سلسلة المعارض التي نشهدها هذه الأيام في العاصمة اللبنانية، وحتى ضمن التظاهرات الفنية في شكل عام. هذه المعرض ـ التظاهرة التي ينظمها أوليفييه بيتيل، تم من خلالها استضافة سبعة فناني غرافيتي عالميين هم: تارسيلا شوبرت، غريزون، جايس، يازان حلواني وموسكو وبيماكس، وذلك من أجل تحويل بيروت إلى متحف كبير في الهواء الطلق. في هذا الإطار، تنظم الغاليري معرضاً جماعياً يضم ما يزيد عن مئة عمل فني لعشرين فناناً من مشارب مختلفة، وسيتم عرض هذه الأعمال داخل غاليري «مارك هاشم» في وسط المدينة، علاوة على إمكان مشاهدة الفنانين خلال عملهم في المناطق المحيطة بصالة العرض، وفي بعض شوارع مدينة بيروت.
تشغل جدران مدينة بيروت، أو بعضها على الأقل، كما هو معروف وظاهر، شعارات وكتابات تتعلق بالحرب الأهلية اللبنانية، ولو بشكل نسبي لناحية طبيعة هذه الشعارات وموضوعاتها والزمن العائدة إليه. ثمة العديد من الجدران التي ما زالت تحمل أثار طلقات الرصاص والقذائف. من ناحية أخرى، قد نرى هنا أو هناك أعمالاً لرسامي غرافيتي حاولت أن تمزج ما بين الأنماط الغربية والكتابة العربية، مع ما يكتنفها من عناصر زخرفية. في هذا النطاق، يحاول المشروع الذي تقوم به الغاليري إلى الجمع ما بين فنانين محليين وآخرين عالميين، بهدف نشر أفكار جديدة تلقي الضوء على أهمية فنون الشارع كوسيلة للتعبير ذات مضامين وأبعاد ثقافية وأيديولوجية، بالإضافة إلى توجيه رسالة ذات طابع إيجابي لسكان مدينة بيروت، من طريق محاولة خلق هوية ثقافية مختلفة وجامعة عبر تلك الرسوم، التي ستطاول جدراناً أساسية من المدينة، بالنظر إلى موقعها وأهميتها.
يتطلع المشروع، في شكل عام، إلى إعادة الحياة لبعض الأماكن والجدران المتروكة والمنسيّة، عبر الرسوم التي من المفترض أن تُنفّذ عليها، كما يأمل أيضاً أن يُثير نقاشاً بين المواطنين حول أمور ثقافية وفنيّة. من أجل تحقيق هذا الهدف المنشود سوف تُنظم طاولتان مستديرتان بين جدران الغاليري قبل الحدث وبعده، وستتركز النقاشات حول موضوع الغرافيتي كظاهرة ثقافية ترتبط بالوضع الاجتماعي للبلد الذي تُصنع فيه، وليس كفعل تخريبي أو طريقة لتوجيه رسائل اقتصادية أوسياسية مرتبطة بالحرب وأجوائها، بل كوسيلة تعبير فنية لمخاطبة الجماهير، عبر استعمال تقنيات جديدة ومهارات كرّسها تطوّر الأساليب الذي أصاب فن الغرافيتي.

الفنانون المشاركون
يشارك في هذا الحدث فنانون من بلاد عديدة، كالفنان البرازيلي لوي سفن مارتنس، صاحب الأسلوب الواقعي، الجاد والأنيق، الذي اشتهر برسوم الطيور التي نفّذها في ساوباولو، وتارسيلا شوبرت، وهي أيضاً فنانة برازيلية عملت مع ماركات تجارية عالمية كببسي وأديداس ونوكيا، ورسام الغرافيتي الفرنسي جايس الذي يعيش ويعمل حالياً في جزيرة الريونيون، وهو معروف بملصقاته وبخلقه لشخصية «غوزو»، التي تظهر في أماكن عديدة حول الجزيرة، كما في بعض شوارع مدينة باريس، والفرنسي موريس صاحب الملصق ذي مقاس ثلاثة بثمانية أمتار الموضوع بالقرب من مبني بلدية باريس، وبيماكس الكندي الذي يعمل حالياً في باريس وقام بصناعة رسوم عابرة ـ زائلة بتقنية الـ «بوشوار»، بعدما استلهم أعمال أندي وارهول، والفنان الباريسي كريستيان غيمي الذي لجأ بدوره إلى تقنية البوشوار، وقام بإنتاج أعمال يغمرها الضوء والعمق الإنساني . هذا إضافة إلى فنانين آخرين كجيرار لوكس وكنت وماكتي وبرونو موشيارو وجيمي س. وستينكفيش وغيرهم، وصولاً إلى الفنان اللبناني الشاب يزن حلواني المولود في لبنان، في العام 1993، الذي يُعتبر من أصغر فناني الغرافيتي في الشرق الأوسط. ارتكز حلواني إلى إمكانات الخط العربي، وتلقى جائزة لدى مشاركته في مسابقة غرافيتي بلس في منطقة الحمرا، وهو يهدف، من خلال أعماله، إلى حفظ الثقافة العربية المرتبطة فنياً بخصائص الخط المذكور، وتسعى إلى تطويرها بطرق حديثة ومبتكرة.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى