«الأبواب المفتوحة»… الجسد السوري في يوم الرقص

سامر محمد اسماعيل

ليس الرقص فناً أخرس عندما يستعير كل لهجات الجسد؛ مستلهماً روايته عن الحرب من الحب والشغف والرغبة بالحياة؛ ولهذا يمكن لمجتمعات العالم الثالث أن تشارك في يوم الرقص العالمي؛ وأن تقرأ رسالته التي كتبها هذا العام رئيس مجلس الرقص العالمي ألكيس رافتيس محتفياً هذه المرة بمدارس الرقص بدلاً من عروضه وفرقه ومصمميه.
هكذا يمكن للجمهور المشاركة في العرض الراقص؛ انطلاقاً من «الأبواب المفتوحة» (قاعة الرقص ـ المعهد العالي للفنون المسرحية11ـ 12 أيار) عنوان العرض الذي أشرف عليه الفنان معتز ملاطية لي، مصدّراً من جديد طلاب قسم الرقص الذي يرأسه نحو مفازات مختلفة عن تلك التي يمنحها المصممون وفنانو الكوريغراف لراقصيهم الجدد في عيدهم السنوي؛ اليوم الذي ترجمه كل من حور ملص ونغم معلّا ومحمد شباط، فناني الأكاديمية السورية الراقصة، إلى دعوة الجمهور لتعلم أبجديات فنون رقص الكلاسيك والمعاصر و «الهيب هوب» و «السالسا»، تاركين المساحة للحضور كي يشاركوا فعلياً في تحريك أجسامهم ونقلها من كراسي الصالة إلى خشبة الفرجة.
الإيعازات المرحة التي ساقها مصممو الرقص لجمهورهم من كل الشرائح العمرية؛ جعلت من فقرة «مونوتون 2» التي قدمها كل من «إنجيلا الدبس» و «أسامة هنيدي» و «معتصم الجرماني» ما يشبه لوحة تمهيدية لبجع يخطو خطوات «الباليريه» على رؤوس الأصابع، مقدّماً في ما بعد لرقصة «سامبا» بأداء حار لكل من «معروف ديوانة» و «رند شهدا» حيث الإيقاع والتكنيك حليفان حركيان للثنائي الراقص؛ جعل منهما صورة عن أبهة رقص الشعوب وقدرة هذا الفن على إشاعة الفرح في مسارح دمشق المعتمة.
ليس هذا كل شيء؛ فالمفاجأة كانت من جديد مع كل من أنجيلا الدبس وأسامة هنيدي في لوحة «دواء» التي صممها الفنان نورس عثمان كترنيمة جسدية فائقة في تعبيريتها وقدرتها على اشتقاق الجمل الحركية وفق مدرسة الرقص المعاصر. انخطافات عضلية شفافة ومهارة لافتة في توزيع الضوء وتهجئة الموسيقى بحركات الجسد المسرحي، صياغة أعضائه ومزجها في رونق من العناقات اللاهبة والمشتعلة بالشوق والشهوة والانغماس زمنياً مع الحركة المتوقدة واللاهثة خلف أنفاس رجل يطارد امرأةً من ظلالٍ ونار.
هذه الحرفية في تنويط الرقص ونزع حركات السكون منه؛ لم تكن لولا تلك العراقة التي يكتسبها سنةً بعد أخرى «قسم الرقص» في المعهد العالي للفنون المسرحية والذي تأسس تسعينيات القرن الفائت؛ كأبرز بذور الحداثة في المسرح السوري؛ لينفتح متخرّجوه وأساتذته على أفق واسع من مدارس الرقص وصيحاته العالمية؛ فبرغم الأزمة التي تعصف باستمرار بقسم الرقص المسرحي وهجرة العديد من كوادره التدريسية وانتقال البعض الآخر ـ في ظل الحرب الدائرة منذ أكثر من ست سنوات ـ للعمل مع فرق في الخارج؛ إلا أن تيار «المسرح الجسدي» ظل ساطعاً في حضوره على خشبات الريبرتوار السوري؛ بل يمكن القول إنه قطع شوطاً جديداً في تكريس ثقافة أكثر علمانية وتحرراً بالنظر إلى الجسد الشرقي خارج لافتات العورة والطهرانية، لا سيما بعد العروض التي قُدِمت في السنوات الفائتة على مسارح أكثر قرباً من شرائح متنوعة من الجمهور؛ كانت في كل مرة تؤكد فصاحة الجسد وبلاغته في وجه أصحاب السواطير والأساطير القبليّة.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى