العراقي إحسان السامرائي: الاختيارات الأدبية بعد الاحتلال دخلت شباك الانحياز

عدنان الهلالي

يشعرُ الكاتب العراقي إحسان السامرائي بأنه فنان أكثر من كونه رجل سياسة. يأمل صاحب «المرايا البرازيلية» بالنشر والسفر. يتمنى أن يجتمع كتاب وفنانو العراق الذين عانوا من القمع والرقابة في سفينة كبيرة للقيام برحلة حول العالم: نريد أن نشعر بشيء من الخلاص والتحرر، نريد حرية التعبير، ولكن سؤاله، هو حتى إذا تحقق هذا الحلم، هل يمكن أن يرى هؤلاء الأشياء بصورة مختلفة؟.
ولد إحسان السامرائي في العام 1941 وتخرج من جامعة البصرة. صدرت له مجموعة من الروايات والقصص والدراسات السينمائية والتشكيلية: «الموت والشاعر والأزاهير الطافية، وصانعة الدموع، وتلك النيران الزرقاء، والمرايا البرازيلية، وشتاء اللقالق، والسياسة والسينما».
«القدس العربي» التقت السامرائي، وهذا نص الحوار:

■ في «المرايا البرازيلية» وصف لحال البصرة بعد الحرب، أما زال هذا الوصف ساري المفعول؟
□ حاولت في هذا العمل خلق إضاءة وقتية للمؤثرات التي اثرت في الحياة الاجتماعية للبصرة. فظلت البصرة فيها عدة سنوات تواجه الراجمات والقنابل العشوائية والهلع والموت، فحاولت استحضار ما كان يدور في ذهن أبطال روايتي من شك وخوف من عودة الحرب، وهم يتهيأون لرفع أكياس الرمل عن نوافذ بيوتهم ويحلمون بالاستقرار وبعودة الأضواء ورؤية الطرق الممتلئة بالسيارات البرازيلية, أما بعد الاستقرار فقد تغيرت صورة البصرة ولم تعد تتشابه إلا بالاستذكار، لأن الحروب دائما ما تغير الواقع فحاولت كتابة رواية أخرى عن البصرة نسجت فيها عرض ما تغير.

■ لمَ اعتبرت كتابك «لوحات من البصرة» من أهم الكتب التي صدرت في السنوات الأخيرة؟
□ لم اقل ذلك لأن الناقد والقارئ هما من يقيم الكتاب لا المؤلف وإن كان هناك من يعتقد ذلك فهو رأيه الشخصي. كتابي لوحات من البصرة «عبير التوابل والموانئ البعيدة» يغاير الأساليب المتبعة في عرض التاريخ، لأنني اعتقدت بأن سرد التاريخ بالأسلوب التقليدي يثير عند الباحث السأم، فتجاوزت ذلك بتكييف ما وقع من خلال الصورة والقصيدة بطريقة حكائية ورؤياي للمدينة التي أحببتها، وهو ما دفع عامر السعد مدير مركز دراسات البصرة، والشاعر الراحل حسين عبد اللطيف إلى تقديم عرضهما الشعري واللغوي وتأملاتهما الجمالية المتفردة.

■ في صراع الأجناس الأدبية، هل بدأ الشعر يتنازل عن جمهوره للقصة؟
□ ليس من السهولة فصل الأجناس الأدبية عن بعضها، أو تنازلها لبعضها لأنها تكويرات لوحة تداخلت فيها الألوان والظلال والأصوات والحركة، أما الشعر فهو قمة شامخة بسبب تكوينه الإنساني وأثره المطلق واعتماده على التنغيم الموسيقي وعفويته في رسمه للمواقف والأحداث لأنه بهذا يقترب من النبع الذي تستقي منه جميع الأجناس الأدبية.

■ أنتَ وأحد من الأسماء السردية في العراق، هل من خصوصية للسرد العراقي؟
□ لا اعتقد بوجود خصوصية للسرد العراقي؛ لأنه نتاج حاضنة عربيّة وعراقية، إلا بما يمكن تميزه من تداعيات الوضع الداخلي وتشابهه مع الواقع العربي في المكان والتأريخ والتخلف وفقدان حريّة الكلمة.

■ كيف تقيم السرد الروائي عامّة، والقصة خاصة في العراق، مقارنة بالقصة العربية والعالمية؟
□ هذا السؤال يتوافق والسؤال الذي سبقه؛ لأنّ الرواية والقصة العراقيّة لم تتطور إلا في حدود ضيقة، بفعل الواقع السياسي المتخلّف والوضع العربي، وندرة وسائل النشر والتوزيع وغياب المجلات والمحافل الأدبية، إلا أنّ ذلك لم يمنع من ظهور طاقات رائعة من الشباب تمكنت من اجتياز الأسوار وتحقيق مكانة رائعة في القصة والرواية..

■ هل تعتبر فوز رواية عراقيّة بجائزة البوكر بداية جديدة للسرد العراقي بعد سنوات طويلة من المعاناة ؟
□ لا علاقة للسرد العراقي بفوز رواية أو مجموعة قصصية بجائزة البوكر، لأن أغلبية الاختيارات الأدبيّة بعد احتلال العراق دخلت في شباك الانحياز والمجاملة لأسباب عرقيّة أو مذهبيّة، فأضحت محاور للانتقاء والتغييب والأهمال.

■ كيف ترى وضــــع المثقف العــــراقي في ظل الاستقطاب الحزبي؟ هل يمكن الحديث عن مثقف حقيقي قادر على إنتاج رؤية خارجة عن السياق؟
□ لا وجود لأيّ استقطاب حزبيّ أو عقائديّ بعد الاحتلال، بسبب الموجات الهجينة التي اتخذت من الإرهاب والاستباحة وسائل لا رابط لها بالثقافة، تمثلت غاياتها بصدور فتاوى بالتحريم والقتل والمنع وتهديم الوسائل الجماليّة من مسارح وسينمات ومتاحف فنية, دفعت بالمثقف إلى الهجرة والاعتكاف، إلا أن ذلك المد التدميري بدأ يتلاشى بفعل القوى المثقفة التي تجاوزت الصدمة الأولى بمحاولاتها فرض التغير والعودة إلى منابع الثقافة الحرة، بما يبشر بتحقيق رؤية مشرقة قادرة على كسر المعوقات وإنتاج أدب حر سيتمكن من تحقيق رسالته الإنسانية.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى