ابن الفرّان الذي ضيّع الحزن موهبته

طلال سلمان

.. ولقد حسم «ابن الفرّان» قراره وارتحل ياسين رفاعية عن دنيانا ملتحقاً برفيقة عمره الموهوبة، شعراً ونثراً، التي ملأت حياته فرحاً وحزناً، أمل الجراح.
كان اللقاء الأول مع ياسين رفاعية في بيروت، وعبر جائزة في القصة القصيرة قدّمتها مجلة «الأحد»، وعبر لجنة مميّزة رأسها منشئ مجلة «الآداب» وراعيها طيلة عمره الروائي الراحل الدكتور سهيل ادريس.
فاز، آنذاك، بالمراتب الأولى ثلاثة من الكتاب السوريين الذين سيغدون نجوماً بعد ذلك: غادة السمان، زكريا تامر، وياسين رفاعية. ولقد احتفلنا بهم احتفالاً ممتازاً.
بعد ذلك سيمتدّ اللقاء طويلاً مع الثلاثة الذين ستفترق بهم الطرق، ولكنهم سيغدون نجوماً في حياتنا الثقافية، على اختلاف المواهب والمكانة.. وسنــغدو، بهذه النـــسبة أو تلك، أصدقاء. وما زلت أتذكّر إصرار ياسين رفاعية، عندما التقينا، بعد ذلك، في دمشق، على أن أزوره في بيته في الحي الدمشقي العتيق والذي يقع فوق الفرن الذي كانت تملكه عائلته.
سنلتقي كثيراً بعد ذلك، في بيروت التي انتقل إليها ياسين. وسنعيش معه فصولاً من قصة حبه الأسطورية مع أمل الجراح التي عاشت نصف عمرها مريضة وقيد العلاج في مستشفيات كثيرة بين بيروت ولندن، حتى وافاها الأجل بعدما نزفت حياتها شعراً ونثراً، ونزف ياسين رفاعية موهبته في رثائها.
ولقد عمل ياسين رفاعية معي في «الأحد»، ثم التحق بنا بعد إنشاء «السفير»، كما كتب في مجلات وصحف عديدة، وأنتج جملة من الروايات والمراجعات النقدية. كتب كثيراً جداً، وكان يعيش ذلك الشعور بأنه على وشك الانصراف، لاسيما بعد رحيل أمله… ولقد صرفه ذلك عن الاهتمام بشؤون حياته، حتى لكأنه عاش لها وبها. فلما جاءت لحظة رحيلها بدا وكأنه حسم أمره بالرحيل.
رحم الله هذا الأديب الذي أخذه إخلاصه لحبّه بعيداً عن الاهتمام بموهبته التي تفجّرت عفية، ثم أنعشها جنون الحب فتفرّغ لملهمته حتى لحق بها.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى