‘أضغاث أيام الغريب’ .. مفردات تخص الشاعر وحده

أحمد فضل شبلول

هذا شاعر يعيش للشعر وبالشعر، يحاول أن تكون له لغته الخاصة وصوره الخاصة وأسلوبه الشعري الخاص، وينجح في ذلك كثيرا، فنقرأ له مفردات واشتقافات أو كلمات ربما لا نجدها في دواوين أخرى، ونتساءل أثناء القراءة: هل هذه مفردات معجمية أم مفردات نحتها الشاعر نحتا ليؤكد على فكرة التفرد والخصوصية الشعرية؟

ومن هذه المفردات: “الخاسوف” و”العسفان” و”الأسفان” و”الزاؤوف” و”الهَوْهاة” و”الداحسون” و”الأُبود” (جمع أبد) والأُزول (يريد جمع أزل) و”القُمْقُوم” (مشتقة من القمقم) . الى آخر هذه المفردات التي لم أجد لبعضها وجودا في المعاجم اللغوية.

احتوى ديوان “أضغاث أيام الغريب” للشاعر أحمد علي منصور على عشر قصائد، ودراسة قيمة للدكتور يوسف نوفل أضاءت كثيرا على قصائد الديوان.

وإذا عرفنا أن عدد صفحات الديوان بلغت مائة وخمسا وأربعين صفحة خلافا لصفحات الدراسة الملحقة (20 صفحة) لأدركنا مدى طول بعض هذه القصائد، وخاصة قصيدة “إنها هِنَةٌ منك” المهداة للشاعر الكبير محمد إبراهيم أبوسنة إثر إصابته بأزمة قلبية مباغتة، وقد وقعت هذه القصيدة المتدفقة والجارية كنهر شعري رائق في ثماني عشرة صفحة. وأعتقد أنها أطول قصيدة أخوانية يكتبها شاعر لشاعر.

وفي هذه القصيدة نجد بعض الملامح الأسلوبية التي يتسم بها شعر أحمد علي منصور في هذا الديوان، مثل غريب المفردات (احتلكك ودلجك) والتكرار الذي يؤكد المعنى (فات موسم الربيع/ إن موسم الربيع فات) و(ذوتْ ولن تعود الحياة / لن تعود الحياة) والتناص القرآني الذي يشيع في معظم قصائد الديوان مثل قوله (يا ليتني مِتُّ قبلَ هذا).

كما أننا نجد في مثل هذه القصيدة المتدفقة سطورا خرجت عن نطاق الشعرية مثل قول الشاعر:

هل أبلغوا الربيع بالاستغناء عن خدماتِهِ

فصار عاطلا كخريجي الجامعات، والعلماء؟

وقوله:

العتاويل الذين يحكمون بغير ما أنزل الله.

أين هذا من قوله الجميل:

فاغتصنَ الجبينُ .. شُقِّق الوتينُ

واستفاق الشاعرُ الفجيعُ

في الخُوَاءِ يابسًا يَمُصُّ بالذهولِ مبسمَه!

لا شك أننا أمام حالة شعرية فريدة، وتماهي مع الشخصية التي يكتب الشاعر عنها، والغوص في أعماقها وأعمالها، فضلا عن المحبة التي يكنها لتلك الشخصية، والتي هي المفجر الأساس لهذا الإبداع الشعري النهري.

وقد تكررت القصائد عن الشخصيات – أو المهداة إلى الشخصيات – التي يتفاعل معها الشاعر في هذا الديوان، فنجد قصيدة “الوحيد الواحد الأحد” المهداة إلى الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي، وقصيدة “اكتوِ بعشقها” المهداة الى الشاعر محمد محمد محمد الشهاوي، وفيها يقترب الشاعر من عالم الموشحات الأندلسية، ثم نقرأ بكائية بين يدي الشعر وقد كتبت في رثاء الشاعرة السكندرية الراحلة أمل سعد، فراشة الشعر وأغرودته التي لم تكتمل، ثم كانت قصيدة “وتكفي ابتسامة رضوى” المهداة إلى إبراهيم محمد حماد ابن خالة الشاعر، لنجد في هذه القصيدة رضوى أخرى غير رضوى الشاعر محمد الجيار، إنها رضوى الطفلة.

أحيانا يلجأ الشاعر الى السرد الشعري بغرض الحكي مثل قصيدته “إذا زُلزلت” والتي يبدؤها بالفعل الماضي رأيت .. كنت :

رأيتُ ما أرى!

كنتُ أجلس جنب أبي ..

ليبدأ السرد الشعري في الانثيال، وتبدأ الذاكرة حضورها القوي ويقفز الماضي ليكون حاضرا ماثلا أمام أعين الشاعر وأعيننا، حيث تتوالد الكلمات وتتناسل الأفعال. ويحضر التناص بقوة، وخاصة التناص القرآني، وأيضا التناص الشعري لشعراء مثل محمود درويش (إن في الغد ما يَستحقُّ الحياة).

كما يقفز التدوير أو السطور المدورة وخاصة في قصيدة “هنا مات هذا الغريب” ليتأكد لنا احتفالية هذا الديوان بالموت وبالراحلين وبالأحياء المتعبين.

إن ديوان “أضغاث أيام الغريب” للشاعر أحمد علي منصور، إضافة جديدة ومتميزة لمكتبة الشعر العربي في السنوات الأخيرة.

 

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى