تحجيم الأعمال الأدبية في فكرة واحدة يحرمها من الإغناء النقدي

يقدم محمد مندور في كتاب “في الأدب والنقد” مقولتين نقديتين هامتين الاولى وعي مندور المتميز بنظرية التلقي التي يشار إليها أحيانا بنظرية القارئ، والتي تعد من أبرز النظريات الأدبية في النقد الحديث، ويعد المنظر الالماني آيزر رائدها .

أما المقولة النقدية الثانية حسب الدكتور محمد شاهين الذي قدم وأعد الكتاب، فهي تقع ضمن نقاشه النقدي الشمولي، إذ يحذر محمد مندور النقاد من الاعتماد على التبسيط في نقد الكتّاب الكبار أمثال شكسبير.

والتبسيط برأي مندور يعني أن يحاول أولئك النقاد رد مسرحيته إلى فكرة واحدة أو عاطفة واحدة مما يؤدي في نظر مندور إلى حرمان العمل المسرحي من التنبه إلى العناصر التي تغنيه.

ويوضح مقولته هذه بالقول: “وعندما يقول النقاد إن رواية – يقصد مسرحية – هملت مثلا تمثل الانتقام، والملك لير العقوق، وعطيل الغيرة الجنسية، وتاجر البندقية الجشع المادي، يجب أن نحذر مثل هذه العبارات المركزة، وإن كنا نتخذ منها هاديا للنقد، لأنها وإن كانت في جملتها حقيقية، إلا أنها لا تصور الحقيقة كاملة؛ فإلى جوار الانتقام في هملت سنجد شل التفكير للإرادة البشرية، وتبدد الحماسة ألفاظا، وإلى جوار الغيرة في عطيل نجد الدسّ والدجل والبراعة، وهكذا”.

وأضاف مندور “وليس من الضروري أن يكون بطل المسرحية هو حامل مغزاها أو المعبر عن آراء كاتبها؛ فكثيرا ما يحدث أن يزج المؤلف بشخصية ثانوية تكون هي المعبرة عن آرائه الخاصة في الموضوع الذي يعرضه “.

ويوضح مندور فكرته هذه بالاشارة إلى شخصية إياغو التي يكاد تصويرها يتفوق في بلاغته على تصوير شخصية عطيل، التي هي موضع الاهتمام في المسرحية .

وكتب الناقد المصري محمد مندور مقدمة لكتابه ذكر فيها الدوافع التي ألهمته لتأليف الكتاب قائلا “اللهفة الحارة عند الشبان لتبين حقائق الأدب والنقد على نحو مهضوم واضح، فكم من مرة ألقيت علينا أسئلة تطلب إيضاح العلاقة بين الأدب والحياة، أو بينه وبين الأخلاق مثلا، وكم من مرة رغب إلينا السائلون أن لو ميزنا بين هذا المذهب الأدنى وذاك، ولكم من مرة رغب المتطلعون إلى مهنة النقد أن لو عرفوا كيف ينقدون وعلى أي منهج يسددون خطاهم حتى تستحصد قواهم وتجد ملكاتهم من النضوج ما تستطيع معه أن تختار ما تؤثر من اتجاه، وفي هذه الخلاصة ما نرجو أن يجب على مثل هذه الأسئلة التي لم يكن باستطاعتنا أن نجيب عليها دائما باللسان أو القلم”.

كما بين في المقدمة هدف البحث في هذا الموضوع “لا يثقل بالتفاصيل حتى لا تختلط معالمها، ولا تتعقد سبلها، فهي اقرب إلى الذكريات منها إلى التأليف، فباستطاعتنا أن نقول إنها تتضمن عصارة عمر أنفقناه في قراءة الأدب وكتب النقد وكانت قراءتنا وسيلة للتفكير والإحساس الشخصيين أكثر منها للاستيعاب والتحصيل”.

في تمهيد الطبعة الجديدة من الكتاب الذي يقع في 176 صفحة من الحجم المتوسط قال الدكتور محمد شاهين حول مناسبة إصداره وهي قيام المجلس الأعلى للثقافة في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، احتفالية دولية بعنوان “محمد مندور بين النقد الأدبي والفكر السياسي”، تضمنت هذه الاحتفالية مساهمات استذكارية للمفكر الكبير الذي ساهم مساهمة جليلة في مد الجسور بين تراث الماضي وحداثة الحاضر، مشيرين إلى منهج مندور النقدي الشمولي الذي يستحق المراجعة بين الحين والآخر، من اجل أثراء المكتبة العربية بما خلفه مندور من تراث فكري مرموق يستحق عليه الثناء والتقدير.

وأشار شاهين إلى أن أعمال مندور التي تم عرضها في هذه المناسبة كتاب “في الأدب والنقد”، مبينا أنه حصل على نسخة نادرة من الكتاب طبعت للمرة الأولى في العام 1949، وظهرت في طبعات متتالية بعد ذلك، ربما تكون الطبعة الرابعة في العام 1962، آخر الطبعات، وقد أوصى المحتفلون باعداد طباعة هذه النسخة لما لها من قيمة خاصة بين أعمال مندور الكثيرة، حيث يتولي نجل مندور القيام بالحفاظ على تراث والده بشتى الوسائل، وأن يعاد نشر الكتاب من جديد لتيسير الحصول عليه والإفادة منه.

ومحمد مندور كاتب مصري متنوع التأليف توفي في عام 1965، مارس الصحافة والتدريس الجامعي، وعاش تاريخا حافلا بمعارك سياسية‏ وفكرية‏ واجتماعية مؤثرة، وله كتب كثيرة في النقد واللغة والأدب.

 

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى