مي المصري: فيلم لكل الناس ومبادئي توجهني

فاتن حموي

«3000 ليلة» للمخرجة الفلسطينية مي المصري ليس مجرّد فيلم روائي أول في حياتها، فهو من كتابتها وإنتاجها وإخراجها، والأهم أنّه القضية. قضيتها وبوصلتها فلسطين. الفيلم مستوحى من قصص حقيقية عن أسيرات ولدن أطفالهن في المعتقلات الإسرائيلية وكافحن في سبيل الدفاع عن قضاياهن. قصة إنسانية بامتياز بطلتها (ليال). وُلدت الفكرة عندما كانت المخرجة تصوّر فيلماً في بلدتها نابلس خلال الانتفاضة الأولى، فالتقت بإحدى الأسيرات المحرّرات التي ولدت ابنها في المعتقل، ثمّ التقت بعدد كبير من الأسيرات بهدف إبراز دورهن الوطني والنضالي. إذاً يروي الفيلم قصصاً حقيقية عن بطلات فلسطينيات اعتقلن في سجن الرملة بين 1980 و1988. ليال ناضلت 3000 ليلة في المعتقل، الذي أرادته المصري سجناً حقيقياً لذا صوّرت في سجن عسكري مهجور في مدينة الزرقاء في الأردن، ونقلت تفاصيل الألم دون الإغراق في مشاهد التعذيب والدماء. هو توثيق لتجربة هامة من تجارب الحركة النسوية النضالية، مع إشارات واضحة للأمل من خلال تسمية الطفل المولود في المعتقل (نور) والعصفور الذي يشكّل معنى الحرية والمرافق لكلّ أفلام المصري.
بدأ عرض الفيلم من فلسطين منذ أكثر من ثلاثة أشهر وتمّ احتضانه من الأوساط الفلسطينية في الأراضي المحتلة عام 1948 ومن قبل الأسرى المحررين بصورة خاصة، وما زالت عروضه مستمرة في الدول العربية، كما عرض الأسبوع الماضي في باريس ضمن مهرجان السينما الفلسطينية في المعهد العربي، وفي أكثر من مدينة فرنسية. سبقت العروض ضجة حول الفيلم بسبب إيقاف عرضه من قبل إحدى البلديات الفرنسية إلى جانب فيلم آخر من دون سبب، وحول الموضوع تقول المصري في حديث خاص لـ «السفير» إنها المرة الأولى التي يتم إيقاف عرض فيلم في فرنسا منذ العام 1969. «اعتبرت الجهات الفرنسية من نقابات ومؤسسات أنّ الإيقاف هو اعتداء على حقوق التعبير والحريات في فرنسا، وعمّت الاحتجاجات وانطلقت تظاهرة مندّدة بالقرار. ربّ ضارّة نافعة، إذ اعتبر ما حصل بمثابة ضجّة إيجابية حول الفيلم في أكثر من خمسين صحيفة وقناة تلفزيونية، ودفعت الناس إلى الاهتمام بالفيلم بصورة أكبر».
قصص حقيقية
اختارت المصري موضوع الأسيرات لأنّه يمسّها بصورة شخصية. «هو مبني على قصة حقيقية. هناك خصوصية لتجربة الأسيرات من حيث الأمومة في السجن. جذبتني ولادة أسيرة في السجن، وتربية طفلها في الزنزانة. هي موجودة في حالات عدّة في السجون. والولادة تتمّ والأم مقيّدة الرجلين واليدين بالسلاسل أمام جنود الاحتلال. لا ننسى أنّ السجن في الفيلم يضم في قسم آخر منه أسرى فلسطينيين، أما في جزء منه فيضم سجينات إسرائيليات لأسباب جنائية. هو عالم غني وهي المرة الأولى التي يتم التطرّق فيها إلى قضية الأسيرات في فيلم طويل. كان من الضروري أن أضيء على تجربة الأسيرات لأنّها مضيئة ومشرقة. أعتز بالنساء العربيات والفلسطينيات لأنهن يشكلن طاقة كبيرة تعبيرية نضالية. والقضية هي الإنسان أولاً وأخيراً وليست قضية بين امرأة ورجل».
تعلن المصري أنّ الفيلم موجّه إلى العالم بأكمله. «لا أميّز بين العالم العربي والغربي وأقدّم فيلماً لكلّ الناس، ويهمني شعبي بشكل خاص، وأن يحتضن الأسرى الفيلم، لذا بدأت العروض من فلسطين. هذا الأساس بالنسبة إليّ. والآن يعرض الفيلم في أكثر من دولة عربية وغربية».
خمس جوائز
حول الممثلات والممثلين الذين تعاونت معهم المصري في الفيلم تقول: «جميعنا أحسسنا بالمسؤولية لأنّ الموضوع يعنينا ويعني الشعب الفلسطيني. السجن يرمز إلى حالة الاحتلال ككلّ. أكثر من مليون فلسطيني كانوا أسرى في السجون، ومَن لم يُعتقل فهو يعيش الأسر بشكل يومي ومباشر. فلسطينيات لعبن أدوار إسرائيليات واستطعن أن يكن مقنعات لأنهن يعرفن لغة المحتل ويعشن التفاصيل في المواجهة. قصة الممثلة ختام إدلبي من عكا، التي قامت بدور (زئيفا) تاجرة المخدّرات الإسرائيلية، مميزة لأنّ شقيقها كان من أبطال المقاومة وحكم بالسجن المؤبّد في سجن الرملة، كانت تزور شقيقها على مدى خمسة عشر عاماً، والزيارة قاسية لأنّها تستغرق نهاراً كاملاً. كانت لديها عقدة من القضبان والسجون، وفي أول يوم تصوير انهارت، وتبيّن أنّ لديها «Trauma» من السجون، وكان دورها بمثابة علاج لها. هي فخورة بدورها لأنّها لعبت دوراً عكس شخصيتها بكثير من الجرأة والطرافة، وكانت مستمتعة بدورها إذ استطاعت التعبير عن الألم بقوة. الأفلام تمنح قوة المواجهة، هي سلاح وعلاج لي ولكلّ الممثلات».
بعد حصول الفيلم على خمس جوائز تقول المصري: «الجوائز مهمّة لأنّها تعبّر عن اعتراف بأهمية الموضوع والفيلم سينمائياً وإنسانياً، لكن ما يهمّ قلبي هو رضى الجمهور، وأن أنال جائزة الإنسان العادي وليس فقط النقّاد والأكاديميين، وإذا وصل الفيلم إلى شرائح المجتمع حينها أكون راضية».
لا تعتقد المصري أن أجهزة العدو الإسرائيلي ستحاول منع الفيلم، «ستكون فضيحة كبيرة لا سيما أن قضية الأسرى شائكة وتتضمن معاناة بشكل لا يمكن تصوّره، وهو أكبر من أن تتمّ الإضاءة عليه في ساعة ونصف الساعة». مضيفة: لهذا السبب غضّ العدو النظر عن الفيلم، لأنّ قمعه سيضرّ به، «كل ما ذكر في الفيلم مبني على وقائع، فمن المستحيل أن يتم اتهامنا بالمبالغة أو الكذب، فالواقع أقسى بكثير، ومع هذا كل شيء وارد».
التحدي
تعتبر المصري أنّ أقسى المشاهد وأنواع التعذيب في الفيلم هي عملية الولادة وظروفها، «تدلّ على وحشية العدو. الولادة هي لحظة إنسانية وحاولت الانطلاق من المعاناة لأحكي عن مستويات أخرى من النضال، منها تضامن النساء ومقاومتهن والإبداع في الصمود بشكل يومي من خلال الخال والاحتيال على الاحتلال في تهريب الرسائل. هناك ابتسامات وفرح في الفيلم، وهذا نوع من أنواع التحدي والمقاومة. الحب في السجن مقاومة أيضاً».
تأخّرت المصري في تقديم فيلمها الروائي الأول بالنسبة إلى مسيرتها في عالم الإخراج، ولكن هل ستتأخّر في تقديم فيلمها الروائي الثاني؟ حول هذا الموضوع تعلن أنّها بحاجة أولاً إلى ترتيب أفكارها، في الدرجة الأولى «أعمل انطلاقاً من قناعاتي وإحساسي. وفي الدرجة الثانية الإنتاج يلعب دوراً ولكنّه لا يحرّكني. إنّ مبادئي وأحاسيسي تحرّكني نحو أي عمل. وأتوقّع أن لا أتأخّر في تقديم فيلمي الثاني لأنني استفدت من تجربتي وبات الأمر أسهل بالنسبة إليّ». تعزو المصري تأخّرها في تقديم فيلمها الأول للشق الإنتاجي كونّه قضية حسّاسة ويتعلّق بقضية الأسرى. قدّمنا فيلماً بإمكانيات متواضعة ولكن الإنتاج عالٍ، فالصورة تعلن أنّه قدّم ضمن معايير عالمية».
يُذكر أنّ الفيلم من كتابة وإخراج وإنتاج مي المصري، تشاركها في الإنتاج سابين صيداوي، وشارلوت أوزو، ومن بطولة ميساء عبد الهادي، كريم صالح، نادرة عمران، ركين سعد، ختام إدلبي، إيزابيل رمضان، رائدة أدون، أناهيد فياض، هانا شمعون، إيمان هايل، وغيرهم. ويعرض في صوفيل ـ متروبوليس الأشرفية.

 

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى