«دار الضمانة» أو «حريم السلطان» المغربي

مبارك حسني

 

من النادر أن تجد مسلسلاً مغربياً يحقق شرطه الدرامي بمواصفات إنتاجية كبيرة. يدل على ذلك تعدد الشخصيات وتنوع صفاتها، وبذخ الديكور وأشكاله، بخاصة حين يحيل على الأصالة والقدم، الشيء الذي ﻻ يتوافر في السوق السمعية البصرية المغربية، بل يجب اختلاقه وإيجاده تبعاً للمطلوب.
مسلسل «دار الضمانة» الذي تعرضه القناة اﻷولى مساء الأربعاء يمثل هذه النوعية من اﻷعمال الدرامية التي بدأت تبرز في المشهد التلفزيوني منذ سنوات قليلة في مسعى منها لمنافسة الانتاجات الأجنبية القوية الجذب لدى شريحة واسعة من الجماهير المغربية، ومنها مسلسل «حريم السلطان» التركي الذي يأخذ منه بعض أجوائه ويشبهه عموماً رغم مغربيته الصريحة.
لكن الحق يقال، فمسلسل «دار الضمانة» له كل مواصفات التنافس بخاصة وأنه يعتمد أساساً على ممثلين من عيار ثقيل يجران خلفهما مساراً فنياً كبيراً وغنياً بالتجارب في المسرح أوﻻً ثم في السينما والتلفزة. ويتعلق اﻷمر بكل من الكبيرين محمد مفتاح ونعيمة المشرقي. ويعد محمد مفتاح وجهاً عائداً للشاشة الصغيرة بعد سنوات طويلة من الغياب، وفي دور بطولة على مقاسه ووفق مؤهلاته وقدراته في التحول وصبغ الحضور بشخصه. هذا الدور هو شخصية الحاج إدريس، وهو تاجر شاي بمدينة مكناس التاريخية زمن دخول هذه المادة الغذائية الرئيسية للمغرب نهاية القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر. ويتحلى بكل مواصفات رب أسرة كبيرة ومتشعبة تسود في غرف قصرها الكبير كل تقاليد التسلط اﻷبوي بهيمنتها الذكورية والقدرة على السيطرة كما على المناورة. وتؤدي الممثلة نعيمة المشرقي دور الزوجة اﻷولى للحاج، ما يمنحها ريادة في الوسط العائلي المكون من زوجات أخريات تابعات ومن خدم. وبالتالي يزخر المسلسل بالشخصيات المتنوعة الطبائع والأوصاف والسلوكيات، ما يمنح إمكانات بناء مواقف ووضعيات درامية تحبل بالفجائي والمثير. هذا اضافة إلى كون الموضوع الرئيسي، والذي يشكل في الوقت ذاته الخلفية المحددة للوقائع هو التطرق إلى ماضٍ بعيد نادراً ما نقل إلى مجال التخييل بهذا الشكل الكبير. وهو ما يستتبع ما يصطلح عليه بإعادة بناء مرحلة تاريخية مميزة بكل تفاصيلها، أزياء وديكوراً وعادات، بخاصة الظاهرة منها، والتي ﻻ يمكن تفاديها عند الكتابة.
وهكذا يغوص المشاهد في زمن مغربي خاص ما زال يفعل أثره بما ورَّثه في الزمن الثقافي الحاضر، وذلك عبر حضور الجلابيب للرجال والقفاطين للنساء والجميع يختال في منازل مصنوعة ومؤلفة بالزليج والخشب واﻷثاث التقليدي. إننا إزاء نقل أمين ومدرك بالتفاصيل. لكن ما يجعل اﻷثر أكبر هو أداء الممثلين لحكي جاذب هو بدوره يلتقي وأفق انتظار جمهور يحبذ هذا النوع الذي ﻻ يتطلب منه الكثير من استعمال الذهن، بمقدار ما يتماشى وذائقته المعتادة على الميلودراما المتقنة الحبكة، وبشخصيات قريبة من معيشه ومن سحنته، هي جد محتملة التواجد. فإلى جانب الممثلين المذكورين اللذين حملا الدراما فوق كتفيهما بما لهما من عفوية وحرفية وقدرة على التقمص المتغير وفق المراحل العاطفية المنقولة والمواقف المطلوبة، هناك ثلة كبيرة العدد من الممثلين، الكثير منهم يعدون من المتمكنين من الجيل الجديد، مثل ربيع القاطي في دور اﻹبن اﻷكبر وفاطمة الزهراء بناصر في دور إحدى الزوجات، وحنان زهدي في دور الخادمة ياقوت.
وواضح أن المسلسل راهن على التشخيص في مسعى منه للدخول الى القلوب وبالتالي النجاح. وهو ما حصل بالفعل. فنسبة المشاهدة كبيرة وما يقال عنه يعد إيجابياً. ولا بد من ذكر أن مخرجه محمد علي المجبوذ من المتمرسين في مجال الإخراج التلفزيوني والسينمائي.
أياً يكن الأمر، يمكن اعتبار مسلسل «دار الضمانة» تجربة أخرى في مسار الدفع بالدراما المغربــيـة نحـو مزيد من التواجد المكثف والمتنوع، ولا ضير في أن يعتمد في كثيـر من عناصره على النـهل مـن تـجارب تلفزيونية درامية من الخارج، من تركيا كما قلنا ومما كان سائداً من قبل في الدراما السورية. عناصر كالاتكاء على القصص والأحداث التاريخية واللعب على المفارقات المضمنة للعلاقات الإنسانية في المجتمعات المسلمة المحافظة والاعتماد في مراحل ما على الموسيقى والغناء.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى