الفيلم الأرجنتيني «باولينا»: الاغتصاب الجماعي لامرأة وحيدة

عبد الله الساورة

يمزج المخرج الأرجنتيني سنتياغو ميتري (بوينس أيرس/ 1980) في فيلمه الرابع «باولينا» قصة دسمة بالدراما والإثارة، حيث الحضور كان لافتا وقويا للممثلة دولوريس فرنزي.
يأخذ المخرج قدرته الكبيرة في كتابة القصة واشتغاله الطويل كسيناريست انطلاقا من تجارب سابقة.. فيلم «الطائر الطنان» (2010) و«الفيل الأبيــض» (2012) لرفيقه المخرج باولو ترابيرو، في إبداع فيلم بمقاسات جماهيرية. يعود المخرج والممثل والسيناريست سنتياغو متري بعد فيلمه الأول الطويل «الطالبة» (2011) بفيلم لم يخرج عن الثيمة الكبرى التي تؤطر أفلامه، وهي صراع المرأة ونضالها ضد سلطة ومجتمع أبيسي. بعنوان اختار له اسم البطلة باولينا، شابة محامية من وسط أرســـتقراطي تســعى لإثبات ذاتها بتطــــوعها كمعـــلمة في إحدى القرى الأرجنتينية المهمشة والمحرومة.
منذ المشهد الطويل المتتابع وبحوار مكثف بين باولينا (دولوريس فرنزي) ووالدها القاضي (أوسكار مارتنيز) حتى نهاية الفيلم يمزج المخرج بين الدراما الشخصية مع وضعية الإثارة، التي تتطور في منطقة ريفية تدعى «بوسداس» في الأرجنتين.
أهمية الفيلم حسب النقاد وصوله إلى جوائز الكوندور الفضية (الغويا الأرجنتينية) ونال من خلالها مجموعة من الجوائز بالمناصفة مع فيلم «اللاجئ» (2014) للمخرج دييغو ليرمان، الذي سنعود له في فرصة مقبلة.
لقي فيلم «باولينا» (إنتاج الأرجنتين/2015/ المدة 103دقائق/ بطولة دولوريس فرنزي/ أوسكار مارتنيز/استبان لاموت…) نجاحا باهرا بعزفه على وتر حساس وقضية حساسة: الاغتصاب الجماعي لامرأة وحيدة، خصوصا في المهرجانات الأوروبية التي تتلقف مثل هذه المواضيع. وحصد جراء ذلك جائزتين في مهرجان كان السينمائي، وثلاثة جوائز في مهرجان سان سباستيان. واستطاع المخرج من خلال القصة تلقي ردود فعل متباينة وشجب جماهيري، وهي مواضيع وموضة تجتاح سينما أمريكا اللاتينية مؤخرا. يجب أن نضع في الاعتبار أن فيلم «باولينا» هو النسخة الثانية من فيلم «العصابة» (1960/ اخراج دانييل تينايري وقصة إدوارد بوراس). بولينا» فيلم بقصة دراماتيكية وبالحضور الوازن والقوي للممثلة دولوريس فرنزي، بينما بدا باقي الممثلين بحضور باهت باستثناء والد باولينا الممثل أوسكار مارتنيز الذي ظهر بكاريزما وغير متفق مع قرارات ابنته.
منح التصوير بالليل بعدا من حالة اللايقين خلال المشهد المفتاح للفيلم، حيث تتعرض بطلة الفيلم للاغتصاب بعنف ونشوة المغتصبين.. بينما بطلة الفيلم لها العديد من ردود الفعل غير المتوقعة، التي تفاجئ المشاهد في مدارات الفيلم. صحيح أنه من الصعب أن نفهم في الكثير من الحالات، نفسية المغتصبة المضطربة وغير المندمجة، وهذا ما يجعل الفيلم غير مقنع بطروحاته وغير قابل للتصديق. ونجد أنفسنا أمام امرأة شجاعة تستمع إلى وجهات نظر الأخرين بإمعان شديد، وهذا ما يحافظ على سلامتها حتى النهاية.
استطاع المخرج سنتياغو متري المتمرس على هذه الشاكلة من السيناريوهات على تطويع/ تطوير حكاية نسوية – بكليشياتها المعروفة والمحببة للمهرجانات الأوروبية عموما – بديماغوجية كبيرة، ولكنه اختار الرصانة وتجنب الأحكام المسبقة التي دأبت عليها إنتاجات أمريكا اللاتينية السينمائية.
واحد من مشاكل الفيلم خطوات باولينا كمعلمة في قرية باسدوس، مونوتونية وتتميز بنوع من الرتابة القاتلة، التي بدأت تقل وانتهت باللايقين. وهذا ما جعل الكثير من المشاهدين أمام سينما أمريكا لاتينية تتميز بالبطء والتأمل وبرتابة الإيقاع.
يبتدئ الفيلم بشكل تحفيزي يبرز بطلة الفيلم باولينا، وهي على أهبة الرحيل/المغادرة من العاصمة بوينس أيرس، تتزود بنصائح والدها القاضي، من أجل أن تشتغل معلمة في إحدى القرى النائية والريفية.
ينطلق الفيلم بحوار مطول في منزل العائلة بين الأب وبطلة الفيلم في مشهد طويل، يركز فيه المخرج بلقطة ثابتة الجدل/ الشجار بينهما. ومن ثمة التعرف على باقي شخصيات الفيلم التي لم يمنحها المخرج حيزا كبيرا، رغم أهمية الأدوار المسندة إليهم، خصوصا الطلبة الذين قاموا بفعل الاغتصاب واحتياجاتهم النفسية والعاطفية والجنسية التي لم يعرها المخرج اهتماما كبيرا.
في اليوم الذي تتعرض بطلة الفيلم، وهي فاتنة وجميلة وتثير شهوة الطلبة باغتصابها، في مشهد صعب وتراجيدي، ومنذ ذاك الحين تريد أن تمضي باولينا قدما ونسيان ما حدث، على الرغم من التوصيات والنصائح المتكررة من قبل أقربائها ووالدها كقاض يحاول أن يفك لغز الجريمة والبحث عن الحقيقة ودوافع الاغتصاب …
المتفرج يعرف عقدة الفيلم، المتعلقة بحادث الاغتصاب وما رافقه من بشاعات… ولكن ما هي خطوات الشابة باولينا ذات الـ28 ربيعا.
الكثيرون ممن شاهدوا الفيلم غير مقتنعين بردة فعل باولينا، وهو تواطؤ ضمني مع المغتصبين الذين «يسرحون» أمامها بكل حرية، رغم أن هناك جانبا يتفق على أن نظرة نحو المستقبل لنسيان حدث الاغتصاب.
المشهد الأخير في الفيلم يتمثل في حركة البطلة أمام والدها، وتظهر فيه مؤشرات على أنها منزعجة ومتعبة من الاستماع طيلة الوقت للتغيير من سلوكها السلمي تجاه ما وقع، لكنها نهاية مفتوحة.. إنها لا ترغب في محاكمة الجناة ومعاقبتهم. الجميل في الفيلم هو متابعة البطلة لسير حياتها بالإيقاع نفسه منذ بداية الفيلم حتى نهايته. والأسوأ أنه تم توظيف الأحداث كدراما شخصية وليست كفيلم، حيث الشخصيات الثانوية لا تتمـــــتع بالجاذبية ذاتها. خـــلاصة القول إنه فيلم جماهيري وفيــــلم شباك التذاكر بتوابل إبداعــــية وبمقـــاسات جذب الجماهير، وبالتركـــيز على قضية حساسة، وبالحفاظ على كتابة سينمائية توازن بين البعد الجماهيري وسينما المؤلف تسبح في رتابة ونظـــرة تأملـــية بين بداية الفيلم نهايته.

 

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى