أحلام اللاجئين السوريين تجول في «الكرفانة»

رامي كوسا

استعار مواطنٌ لبنانيّ من أحد أصدقائه الوافدين إلى البقاع، درّاجةً نارية تحمل لوحة مرورٍ سوريّة. وما إن بدأ تجواله حتّى انهال عليه البعض بشتائم عنصريّة لا سقف لها. لم تعجب لحيته عناصر الحاجز فاتهموه أنّه ينتمي إلى «داعش»، ولمّا تثبّتوا من لبنانيّته طلبوا منه ألّا يقود هذه الدرّاجة ثانيةً.
حتّى لا يظنّوا أنّ أبناء بلدهم يقتلون بعضهم بعضاً، قيل لأطفالٍ سوريين أن تنّيناً ضخماً هو من يحرقُ المدينة بناره. بعضهم نمّى الافتراض في خياله، قائلاً إنّ هذا الوحش المجنّح سينفجر في نهاية المطاف إذا استمرّ في ابتلاع الناس.
أتى إلى المخيّم خلسةً، خطب حبيبته، ثمّ عاد من حيث جاء. مضى وقتٌ طويلٌ على ارتداء المحابس، فالخطيب لا يملك إقامةً تسمح له بالتجوال في لبنان، والخطيبة لا تملك أن تغادر المخيّم. في المحصّلة، صارا عاشقين عبر «واتسآب». تجتمع كلّ هذه القصص على صفحة «الكرفانة» على «فايسبوك»، وتشكّل أساسًا لمشروع يجمع بين مسرح الشارع والقصص المسجّلة صوتيًا. يضيء «الكرفانة» على يوميّات اللاجئين السوريّين في منطقة البقاع، ويتعاون على تنفيذه مسرحيون محترفون مع مجموعةٍ من سكّان المخيّمات.
تتولّى جمعية «بيروت دي سي» تنفيذ المشروع بالاشتراك مع جمعية «سوا» للتنمية والإغاثة «كلاون مي إن» ومسرح «تيموا»، وبتمويلٍ من «الاتحاد الأوروبي» و «اليونيسيف» في لبنان ومعهد «غوت». يُشكّل «الكرفانة» التفاتةً إيجابيةً على مستوى دخولِ عوالم المخيّمات المنسيّة وتحرير ما يمتلكه بعض سكّان هذه المجتمعات الباردة من مواهب وطاقات.
بعد ستّ سنوات على الحرب، تحوّل الموت إلى خبرٍ وتحوّلت معاناة الجياع والأيتام إلى تقرير. لكنّ إعادة إنتاج الوجع على شكلِ حكايةٍ تقدّم ضمنَ قالبٍ مسرحيّ يتضمن سرداً وتمثيلاً لرواياتٍ جرى تسجيلها بصوتِ اللاجئين أنفسهم، من شأنه أن يسلك طريقاً قصيرةً إلى قلب السامعين.
عن الصعوبات المبدئية التي تواجه العاملين في «الكرفانة» تقول مديرة المشروع سابين شقير في حديث لـ «السفير»: «غالبيّة الأطفال المشاركين في المسرحيات لا يحملون أوراقاً ثبوتية، مما يجعل تجوالهم في لبنان أمراً معقّداً، لذلك وجدنا أنفسنا مضطرين لتطعيم المشروع بممثّلين محترفين قادمين من خلفيّات أكاديميّة ليعيدوا تمثيل المشاهد نفسها في المناطق الّتي يصعب وصول اللاجئين إليها». وتضيف سابين: «بعض الأطفال الّذين نتعامل معهم في المخيّمات لم يتسنّ لهم أن يعرفوا ما هو المسرح، ومع ذلك نعمل معهم على صنفٍ معقّد من الاستعراض، فالقصص تروى في الخلفيّة، أمّا الأداء فيستند على الحركة وتوظيف الجسد من دون حواراتٍ مكتوبة». وعن حجمِ التفاعل المبدئيّ مع «الكرفانة» تقول شقير: «كلّ من تواصلنا معهم أبدوا ترحيباً بالفكرة خاصّة أن الحكايات لا تنضوي على فزّاعاتٍ سياسيةٍ أو دينية، نُدرك جيّداً أنّ لبنان منقسمٌ سياسياً، لكنّنا نراهن على الإنسان لا على الاصطفافات».

 

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى