جائزة الموركس دور ليست من تنك

عادل وهبي

دخلت مرة كاميرا أحد البرامج التلفزيونية، في سياق تحقيق تجريه عن معاناة الفنانيين اللبنانيين، بيت ممثلة مخضرمة، معروفة في أدوار عدة ولكن غير بطولية، فإذا بها ترفض بإصرار أن تصور كاميرا التلفزيون بيتها وحال البؤس الذي تعيش فيه، ولكن، بعدما أقنعها المخرج بجدوى الحلقة وافقت على مضض. كان منزلها الذي تعيش فيه وحيدة فقيراً ويفتقر إلى مقومات البهجة. وخلال حوارها المتقطع والخجول أشارت إلى الصحافي أن يصور تمثالي موركس دور موضوعين على الدرسوار وكانت فازت بهما سابقاً وقالت له: «احتجت مرة إلى المال فحملت هذين التمثالين لأبيعهما لدى أحد محال الذهب فكادوا يسخرون مني لولا احترامهم إياي كممثلة، فخجلت كثيراً وقال لي أحدهم بعدما فحص التمثالين: هذان ليس من ذهب وليسا حتى ملبسين بالذهب». قلت له: أليسا من نحاس؟ ألا تشتريهما؟ قال: «ليس من معدن جيد حتى ليسا من تنك. ولو كانا من تنك لكنت اشتريتهما من أجلك». حزنت كثيراً ودمعت عيناي نظراً إلى الموقف الذليل الذي وجدت نفسي فيه. حملت التمثالين ورجعت بهما إلى المنزل، لكنني لم أرمِ بهما في كيس النفايات.
تذكرت هذا التحقيق الأليم الذي يعبر عن المآسي التي يعيشها الفنانون اللبنانيون في بدايات خريف العمر عندما يكتشفون أن لا نقابة تدافع عنهم ولا مستشفى يستقبلهم، عندما شاهدت بعضاً من حفلة جوائز الموركس دور في دورتها الراهنة على إحدى الشاشات. كان الفنانون والفنانات وأشباه الفنانيين والفنانات وعارضات الأزياء وسيدات المجتمع المخملي والإعلاميون وأشباه الإعلاميين يستعرضون أنفسهم تحت ضوء الكاميرات أمام مدخل قاعة «البلاتيا» وفي ظنهم أنهم في حفلة مهرجان «كان» أو حفلة الأوسكار… بل لعلهم صدقوا فعلاً أنهم في مثل هذه الحفلات بعدما وسع الدكتوران الشقيقان، مديرا الموركس دور، نطاقهما عالمياً مع انفتاحهما على الدراما التركية التجارية مثلاً أو في تكريمهما غيابياً (مثل المحاكمة الغيابية) فنانين لم يحمّلوا أنفسهم عناء السفر إلى لبنان للاشتراك في مثل هذا الحدث اللبناني السياحي وغير العالمي بل وغير العربي والدليل عدم اهتمام الإعلام العربي به وتجاهله. أما بعض المكرمين الأجانب فمنهم من نسي أنه فنان لانقطاعه عن العمل منذ زمن وقد ذكرته الموركس دور بماضيه.
إلا أن من يراقب جيداً خلفيات مهرجان الموركس دور أو يستكشف كواليسه يدرك أن المهرجان لم يبق همه فنياً فقط، بل انتقل إلى ما يشبه الترويج والتسويق أو «بي آر» لشركات ومؤسسات تعمل في حقل التجارة المتعددة والإعلانات، إضافة إلى تجارة الأزياء وأدوات التجميل وسواهما… وهذا ما يعني أن الفن أصبح قناعاً يتوارى خلفه نشاط تجاري وإعلاني كبير.
لم تكن الجوائز مقنعة كلها هذه السنة ما خلا بضعة أسماء لا أدري كيف ترمي بنفسها في هذا البازار المفتوح الذي يختلط فيه «حابل» الفن التجاري والاستهلاكي الرخيص بـ «نابل» بعض الأعمال المهمة درامياً وتمثيلياً. حتى لجان التحكيم تفتقد بمعظمها المعايير النقدية والمقاييس العلمية، وإدارة الجائزة تختار من تراهم مناسبين وقنوعين ولا يعترضون على سياستها الترويجية الواضحة.
أما الحدث هذا العام، فتجلى في رفض المخرج الشاب ميرجا أبو شعيا وفريقه الفني الجائزة التي منحت لفيلمه المهم «فيلم كبير كتير» الذي نال جوائز عدة في مهرجانات عالمية وعربية كبيرة ونال رضا المخرج العالمي الكبير فرنسيس فورد كوبولا الذي مدحه معرباً عن إعجابه بمخرجه ومساعديه. وقد مثل المخرج أبو شعيا في الحفلة الممثل في الفيلم آلان سعادة الذي صعد إلى المنصة وأعلن رفض المخرج والفريق هذه الجائزة رابطاً موقفه الرافض هذا بموقف أسرة الفيلم بكل ما يدور في لبنان من مؤامرة ضد الفن الحقيقي والثقافة الحقيقية. هذا موقف مهم جداً، نقدي وثقافي أعلنه مخرج ندرك معنى مواجهة الفن الاستهلاكي الذي يكاد يقضي على الأصالة والفرادة. وليت ممثلاً قديراً مثل نقولا دانيال أو مخرجاً طليعياً مثل سمير حبشي فعلا ما فعل ميرجا أبو شعيا، فهذه الجائزة تسيء إليهما وتنال من مسيرتهما المهمة.
المزحة الأخيرة التي انتهت بها الحفلة كانت في صعود المخرج سعيد الماروق لتسلم جائزته، فإذا الصالة قد فرغت بعدما غادر معظم المدعويين الذين دب فيهم النعاس عقب ما قدم لهم من مشروب ومأكولات، فوجه التحية إلى الكراسي الفارغة.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى