محمد خياطة.. إعادة ترتيب سيريالية لعالم الفوضى

محمد شرف

إذا ما استعرضنا سلسلة المعارض التي أقيمت مؤخراً في العاصمة اللبنانية، أو تلك التي ما زالت سارية المفعول، لوجدنا أن جزءا وازناً منها ساهم في قيامه فنانون سوريون، يقيم بعضهم في بيروت، ويتوزع الآخرون على بلاد المعمورة، بعدما لم تعد الأرض السورية تتسع لقدر بسيط من الأمان، ولا نقول الكثير منه، كي نكون واقعيين ولا نغرق في أحلام لا تتناسب مع طبيعة الأحوال السائدة.
محمد خياطة يقيم في بيروت منذ سنوات عدّة، ويعمل كغيره من الفنانين الموجودين خارج الوطن على البحث عن طرق للتعبير عما يجول في خاطره من أحاسيس ومشاعر. أعماله المعروضة في صالة «ذا غاليريست» تتفاعل مع ما يحيط به من صور ومؤثرات لا تبخل بها العاصمة اللبنانية في اتزانها المؤقت وفوضاها الكثيرة، وهي التي كانت دائماً مكاناً للقاءات متعددة الأوجه: لقاء مع من تعرفهم كثيراً أو قليلاً، ومع من قادتك الصدفة إلى التعرّف إليهم من قريب أو بعيد أو من قد تتعرّف إليهم عاجلاً أم آجلاً، ولقاءات سريعة مع سحنات قد تراها كل يوم في حال زيارتك أماكن محددة يؤمها جمهور محدد. فالمدينة صغيرة، وتزداد صغراً حين لا توزّع نفسك بين أحيائها كلها، بل تسير بك قدماك إلى الأمكنة ذاتها: شارع من هنا أو مقهى من هناك، وزوايا تتفرّع من هذا وذاك ملأى بوجوه متنوعة. لكن الوجوه والقامات التي نراها في أعمال محمد خياطة قد لا تصوّر، تشكيلياّ وإصطلاحياً بالطبع، أمكنة وإناساً دون سواهم ، فالعين «العارفة» تتسع للكثير من تفاعلات المرئي، وهي قادرة على مزج المؤثرات، وإعادة ترتيبها بحسب رؤيا قد لا تأخذ من الواقع الموضوعي سوى بعض عناصره، وحين تعيد صوغها فهي تقوم بذلك انطلاقاً من اعتبارات ذاتية تقيم الصلة ما بين المرئي والسيكولوجي والاجتماعي وسوى ذلك من عناصر. لذا، لن يكون من المستغرب أن نجد في أعمال محمد خياطة وجوهاً محوّرة، لانموذجية، وأن نرى أوضاعاً يتلاقى فيها ما هو طبيعي وإنساني مع ما هو غير طبيعي وأقرب إلى السوريالية. استناداً إلى ذلك سنرى رجلاً يحمل عائلته على كتفيه كي يسير بها من رصيف إلى آخر محاولاً الحفاظ على توازنه الهش بمساعدة خيط رفيع، ونرى رجلاّ آخر يضع على رأسه كأساً مملوءة بسائل ويحاول، بدوره، الحفاظ على توازنه، وكذلك أيضاً اولئك النساء اللواتي يبعن أولادهن في قارورات، وسوى ذلك من أعمال أخرى تسير على النهج نفسه أو تخالفه قليلاً. لا يغيب عن ذهننا، استناداً إلى ما نراه، الطبيعة السوريالية للأعمال التي يغذّيها تزاوج مفتعل بين عناصر لا يمت بعضها إلى البعض الآخر بعلاقات منطقية، أو تواصل في ما بينها يفضي إلى فعل مفهوم، وكأن «الطبيعي» أصبح في زمننا شاذاً، بعدما أغرقتنا الظروف في متاهات سوريالية. وإذ نجد ميلاً واضحاً لدى محمد خياطة نحو تبيان انعدام التوازن، أو السعي إلى إقامته، فهو سعي إلى إعادة ترتيب خيالية لعالم يفتقد، في بعض مفاصله، إلى المنطق، يضاف إلى ذلك سعي الفنان إلى توثيق بعض معالم هذا المحيط من وجهة نظر تشكيلية مبتكرة.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى