على ضفاف السايكودراما .. تجارب عراقية في مشفى الأمراض النفسية!

د. علي حسون لعيبي

كريم عبدالله الإنسان والفنان.. حملنا في اجواء أعمال مسرحية ناضجة في مشفى الامراض النفسية في العراق. ويبدو أنه متيقن من النجاح.. لأنه يمتلك ادوات عمله النفسي والدرامي.

تذكروا هذا العراقي الذي منح وقته وحتى ماله من أجل مهمة انسانية راقية، قلما نجدها في بلداننا النامية لكن فعلها هذا الكريم الانسان والفنان والاديب، لذلك التقيته وكان هذا الحوار.

وعن اتجاهه للسايكودراما قال: من خلال تجربتي في برامج العلاج التأهيلي النفسي للمرضى الراقدين في مستشفى الرشاد التدريبي للطب النفسي وجدت كم هو مهم هذا النوع من العلاج بالنسبة للمرضى الراقدين فيها, ولاحظت حجم المعاناة التي يعانيها هؤلاء المرضى من قبل الاهل والمجتمع فحاولت أن ابذل قصارى جهدي في ان أصل بصوتهم الى خارج اسوار المستشفى العالية، وأن يأتي الآخرون الى هنا ويقتنعوا بان المريض النفسي يبقى داخله انسان كاي انسان اخر له مشاعره واحلامه وتطلعاته.

اشتغلت مع الفريق الذي كان معي على مختلف البرامج التأهيلية مثل الرسم والرياضة والموسيقى والمشغولات اليدوية, لكن طموحي لم يكن هذا فقررت مع زميلي المعالج التاهيلي اياد جاسم أن نعمل عملا جبّارا وغير مطروق في مجال العلاج التأهيلي للمرضى النفسيين, فاهتدينا الى عمل مسرحية ابطالها نفس المرضى الراقدين في المستشفى وتكون عبارة عن معاناتهم, ومن خلالها نقول ما نريد للجميع بأن المريض النفسي والعقلي مازال إنسانا يشبهنا رغم المرض.

وأوضح أن السايكودراما هي طريقة علاج المرضى النفسيين والعقليين عن طريق التمثيل وهو برنامج علاجي طويل الامد يشترك فيه عدد من المرضى والمريضات ويجسّدون الادوار امام انظار المشاهدين وعلى خشبة المسرح.

وأشار كريم عبدالله إلى أن عالم المرض النفسي والعقلي عالم ساحر وجميل ومغري وغيب في نفس الوقت. فالاشتغال مع المرضى النفسيين والعقليين في مسرحية لهو مجازفة واللعب في منطقة خطرة جدا فاما ان تنجح معهم او تسبب لهم الفشل والخذلان وازدياد المعاناة. اذا كنت تريد ان تقدّم عملا ما عليك ان تتحلّى بالشجاعة والثقة بالنفس والاجتهاد والمثابرة.

انا لست مؤلفا مسرحيا ولا مخرجا ايضا لكنني اهوى المسرح واعشقه, فمن خلال اطلاعي على المدارس المسرحية وقراءاتي للكثير من المسرحيات العالمية والمحلية وعن فن الاخراج المسرحي اصبحت لدي تجربة لا باس بها, فقررت ان استغل ما عندي من امكانات بسيطة واستخدمها في مجال عملي. تمكنت من كتابة نصوص مسرحية خاصة بالمرضى النفسيين والعقليين وكذلك بعض المسرحيات البعيدة عن عالم المرض والمريض مثل مسرحية “نائب الموت” وهي نبوءة عمّا سيحصل في العراق وفعلا تحققت هذه النبوءة وكذلك بعض المسرحيات الشعرية مثل مسرحية “رحيل النوارس”.

وقال: كل انسان له قابليات وكل مريض ايضا له قابليات فمتى ما استطعت ان تسثمر هذه القابليات الموجودة عند المريض فمما لا شكّ فيه ستنجح, قبل هذا عليك ان تكون قريبا جدا من المريض النفسي والعقلي كي يكون متعاونا معك ويعطيك ما تريده منه.

تجربة واحدة كانت لي في مجال المسرح عندما كنت طالبا في المرحلة الاعدادية عندما طلب منا مدرس مادة الفنية في حينها ان نقوم بتجسيد مسرحية تعرض في الاعدادية وامام المدرسين والطلاب , هذه التجربة كانت بالنسبة لي مهمة جدا وتركت بصماتها فيما بعد على مسيرتي مع المسرح, فتعلمت منه كيف احرّك الممثلين وكيف اتعامل معهم وما هو الصحيح والمناسب في هذا المجال ولو كانت معرفة بسيطة جدا لكنني حاولت ان اطوّرها عن طريق الدراسة والمشاهدة.

كل عمل مسرحي اشاهده أقوم بتحليله مع نفسي (لماذ تحرّك الممثل هذا بهذه الطريقة. لماذا وقف هنا وليس هناك. مالداعي من دخول الممثل بهذه الطريقة) وبقيت أدقق نظري الى وجوه الممثلين الحقيقيين واجسادهم وانا استمع الى حواراتهم في المسرحيات التي كنت أشاهدها واتابعها بشغف.

أما تحريك المرضى على خشبة المسرح وأمام أنظار الجمهور، فأوضح عبدالله أن هذا امر صعب جدا, يبدأ اولا في كيفية خلق مجموعة ناجحة من المرضى المتعاونين وكيفية كتابة نصّ مسرحي وحوار يتناسب مع قابليات كل مريض فكل الحوارات اكتبها مسبقا وانا اعلم قابليات كل مريض سيشارك معي في المسرحية, اما اداء الحركات فأنا اقوم اولا بتمثيل المسرحية كاملة امام انظار المرضى المشاركين في هذا العمل وكثيرا ما أقوم بتمثيل كل شخصية على انفراد كي يستطيع المريض حفظ الحركات. اما كيف سيواجه هذا المريض الجمهور وهو يعاني من مشاكل صحية كثيرة وعدم الثقة بالنفس فعلاج ذلك اولا محاولة زرع الثقة بالنفس من خلال التشجيع والترغيب والحثّ على النجاح كي نثبت للآخرين باننا ما زلنا في الحياة .

وأوضح المخرج المسرحي أنه بسبب المرض النفسي والعقلي تصاب ذاكرة المريض بعطب تجعله لا يستطيع التواصل مع الاخرين والمجتمع اضافة الى اضطراب في السلوك والتفكير وعدم المقدرة على الكلام وكذلك صعوبة الحركة بسبب العلاج الدوائي.

وقال: تبدأ الصعوبات في ايجاد مريض مؤهّل مستقر يمكن الاعتماد عليه والتعاون بصورة ايجابية معي ومع باقي المرضى المممثلين, وكذلك مدى تحمّله للضغوط التي قد تحدث اثناء العمل مع المرضى الاخرين وكيفية تطويعه لتقبل الشخصية وكذلك تقبّل الشخصيات الاخرى. وكذلك كيف يمكنني ان ازرع في نفوسهم الامل والنجاح, ومن الصعوبات التي تواجهني دائما هي انتكاسة بعض المرضى الممثلين وعدم مقدرتهم على الاستمرار في العمل المسرحي مما يتطلب مني البحث مرة اخرى عن مرضى مناسبين للعمل وتكثيف العمل معهم كي نصل الى يوم العرض بامان .

وهو يؤكد أن جميع المرضى والمريضات الذين اشتركوا في الاعمال المسرحية هنا في المستشفى خرجوا الى ذويهم ولم يدخلوا المستشفى مرة اخرى والذين لم يخرجوا أصبحوا يعتمدون على نسبة قليلة جدا من العلاج الدوائي اضافة لاستقرارهم النسبي .

وأوضح أن الكثير من المرضى والمريضات يتمنون العمل معي في المسرح لما يحقق لهم من شهرة واسعة في المستشفى وكذلك إقناع الاهل بتحسّنهم وضرورة خروجهم منها وكذلك للتباهي امام المرضى الآخرين بأنهم أصبحوا ممثلين وكذلك محاولة اقناع الطبيب المعالج بضرورة تقليل العلاج النفسي عنهم .

وقال: من خلال المسرح حاولت ان ابعث رسائل الى المجتمع من مسؤولين ومنظمات مجتمع مدني والعوائل بان المريض العقلي والنفسي هو انسان مهما حدث له وبإمكانه العيش ضمن المجتمع بشرط الاهتمام به وتهيئة ظروف معيشة مناسبة له. لكن يبدو ان هذه الرسائل كانت دائما تصطدم بثقافتنا وجهلنا بالمرض النفسي والمريض .

ويؤكد المخرج العراقي أنه نحج في تقديم تجربة جديدة في عالم المسرح والطب النفسي. نعم اقولها وبشجاعة وثقة انا اول من استخدم العلاج بالسايكودراما في مجال الطب النفسي ربما هناك محاولات بسيطة في اماكن اخرى من العالم, لكن ان يقف المريض امام الجمهور ولمدة (1 – 2) ساعة وهو متماسك ويؤدي بحرفية عالية فهذا لم يحدث الا معي وهنا في العراق.

على الاخرين ان ينتبهوا الى تجربة كريم عبدالله في هذا المجال والاستفادة منها، لكن يبدو في بلادنا العربية الأمر شبه مستحيل, فمن خلال اتصالاتي وحواراتي مع البعض من خارج العراق أكدوا على فرادة هذه التجربة وغرابتها وأهميتها.

آخر عمل مسرحي تمّ الاتصال بي من قبل BBC البريطانية من اجل عمل لقاء مع كادر العمل واجراء تحقيق عن هذه التجربة الفريدة ومن ثمّ ترجمتها وعرضها من خلالهم على أكثر من قناة فضائية. ولكن؟!

 

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى