فنان جزائري يمزج بين الخطوط الأندلسية والأمازيغية والأفريقية

في معرضه الذي نظّمه أخيرا برواق عائشة حداد بالعاصمة الجزائر، ينشغل التشكيلي الجزائري محمد سمارة بموضوع “الهوية”، ولهذا اختار للوحاته العشرين التي ضمّها المعرض كلمة “هوية” عنوانا، في إشارة إلى ما لهذا الموضوع من أهميّة في زمن يُؤمل منه أن يكون فاتحة لتجاور الهويات وتلاقحها، لا لصراعها.
ويأتي معرض “هوية” تتويجا لقائمة طويلة من المعارض والصالونات في مسيرة سمارة، وليكون أيضا علامة فارقة تحفر عميقا في البعد المغاربي للجزائر المُشكّل أساسا من الخصوصية الأمازيغية والعربية الإسلامية ممثّلة في الخط المغاربي الأندلسي. “كلُّ حرف استخدمتُه يُمثّل نوعا من العمارة”، هكذا يفسّر سمارة الحضور الطاغي للأبجدية بنفحاتها المغاربية في لوحاته.

ويعتمد الفنان على الأرضية الأمازيغية من خلال استخدام الرمز، والعادات والتقاليد، وحتى الأسماء التي أطلقها على بعض لوحاته مثل “التويزة” (لفظة محلية تعني المساعدة الجماعية التطوعية)، و”الكتاتيب” (مدارس تعليم القرآن وتحفيظه)، ويظهر بجلاء أيضا البعد الأفريقي في أعماله ممثّلا في الوشم، والطقوس الاحتفالية، والعادات، والعمران، وتشكل هذه العوامل مجتمعة رسالة واضحة يطلقها الفنان لمواجهة تيار العولمة الجارف، من خلال “التمسك بالخصوصيات الهوياتية من دون انغلاق قاتل على الذات”.

يعود تاريخ إنجاز بعض اللّوحات المعروضة إلى سنة 2009، بينما أُنجزت مجموعة ثانية سنة 2012، في حين تعود الأعمال المتبقية إلى سنتي 2015 و2016، وقد تعمّد سمارة توشيح المجموعة الأخيرة بخطوط عمودية بارزة للتعبير عن الالتزام والرزانة والاستقامة التي تعدّ من قِيم الفرد الجزائري، أما اللّون الأصفر الغالب على اللّوحات فيُمثّل لون التربة والنشأة الأولى في أفريقيا، كما يمثل الحضن الدافئ وكرم الضيافة وحرارة دول المغرب العربي، وهي ميزات القبائل الأمازيغية المنتشرة على امتداد هذه الرقعة الجغرافية المترامية.

وحول المدارس التشكيلية التي تأثر بها وأثثت خلفيته الفنية يؤكد سمارة أنه مارس الواقعية في بداياته في ثمانينات القرن الماضي، وعرّج على المدرسة الانطباعية في التسعينات، ليحط الرحال بعدها عند المدرسة التعبيرية. فقد جرب كل الأساليب، ويشعر الآن، وقد تجاوز الخمسين، أنّ الوقت حان ليتميّز بلمسته الخاصة.

ولا يُخفي سمارة أنّ هناك الكثير من التشكيليين الجزائريين الذين تستهويه أعمالهم على غرار محمد خدة، ومحمد إسياخم، ونور الدين شقران، ومحمد بنيس، والطيب بلعباس، ونور الدين مقدس.

ويؤكد أنّ العزوف عن الاهتمام بالفن التشكيلي ناتج عن تخلّي الأسرة والمدرسة عن دورهما في ترغيب الأجيال الصاعدة بأهمية الفنون عموما، وإعطاء الأولوية للجوانب المادية على حساب الجوانب الروحية، إلى درجة أنّ الكثير من زوّار المعارض يعتقدون أنّ الفن التشكيلي مجرد ديكور فقط، وهذا ما يُستشفُّ من الأسئلة التي يطرحها هؤلاء الزوّار في العادة على الفنان التشكيلي.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى