غادة شبير: موسيقيو اليوم يعملون على أربعة أو خمسة مقامات

فاتن حموي

غادة شبير ليست مغنية أو ملحّنة أو أستاذة جامعية للمقامات العربية وتحليل الأنغام العربية والنفس وتاريخ الموسيقى العربية في جامعة الروح القدس فقط لا غير، فهي باحثة وناشرة للتراث العربي ومدوّنة للمخطوطات، تهتم بالمقامات العربية التي تكاد تندثر بسبب عدم جمعها في كتاب واحد وعدم الإضاءة عليها. قامَت شبير أيضاً بتدوين مئات الألحان السريانية للكنيسة السّريانية المارونية والسّريانية الكاثوليكيّة، وهي الحافظة لأكثر من 90 موشّحاً. تجد شبير أنّه تجب إعادة تأليف الموشّحات وألا يتم الاعتماد على الكلمة والمفردة القديمة التي قد لا يفهمها الناس اليوم، بحيث لا تندثر الموشحات وتصبح رائجة. بدأت شبير التلحين العام 2007 ولحّنت قصيدة لولادة بنت المستكفي ثم لابن زيدون، وكانت بداياتها الغنائية مع الفنان نديم محسن، كما حازت جوائز عديدة منها جائزة الـ «بي بي سي» العالمية لكل من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ونال ألبومها «موشحات» الجائزة الدولية لأفضل ألبوم، وشاركت في مهرجانات عالمية متأبّطة ثقافتها وإحساسها العالي بالموسيقى والكلمة.
1000 مقام
ضمّت الفنانة والباحثة الدكتورة غادة شبير أكثر من 40 مقاماً في كتابها الجديد «المقامات العربية» المقرّر صدوره هذا الصيف بالتعاون مع الجامعة، «هو عبارة عن برنامج تعليم مادة المقامات العربية على مدى أربع سنوات. 24 درساً في كل سنة دراسية مرفقاة بقرص مدمج يتضمّن تحليلاً سمعياً للدروس، وهناك أكثر من ألف مقام عربي ولذا أجد إفقاراً في التعاطي مع المقامات العربية بصورة كبيرة».
تضيف شبير الحاملة مسؤولية العمل على التراث وإبرازه والعمل على عناصره على صعيد اللحن والكلمة وأوزان الشعر، في حديث خاص لـ «السفير» أنّ «هناك تراجعاً في ما خصّ المقامات. يعمل الموسيقيون في الوقت الحالي على أربعة أو خمسة مقامات لا غير، وهي المقامات الشبيهة بالنغمات الغربية، ما يُضعف الموسيقى العربية. لذلك انطلقت الفكرة بأن أضمّ المقامات في كتاب كي يستطيع الفنان تأليف الموسيقى بشكل مريح وسهل ولكي يكون أمامه فضاءات جميلة ومحفّزة للغوص في عالم الأصالة الموسيقية الشرقية».
ترى شبير أنّ الأعمال التجارية الموسيقية باقية ولكن لا يجب أن تطغى على الكلاسيكية في النغمات العربية، «علينا أن نحصّن قيمة تراث الموسيقى العربية بتدوينها والبحث فيها وتأريخها». وعن كتابها الخاص بالموشّحات الذي سيصدر بالتعاون مع المعهد الوطني العالي للموسيقى تضيف شبير أنّه يتم تداول عشرة موشّحات وهناك أكثر من أربعين موشحاً منها لسيد درويش ودرويش الحريري. الموشّحات صعبة ومهمة من ناحية الغناء والتلحين وكثر منحوا أعمارهم للعمل على دراسات في عالم الموشحات، «بدأت العمل على الموشّحات بغية إبراز جمالياتها ثم تبحّرت فيها وقمت بتسجيلها، واليوم جهّزت القسم الأكبر من الكتاب وما زلت منكّبة على العمل عليه. أرمي إلى أن يكون الكتاب مرجعاً في هذا العالم».
انغماس شبير في عالم البحث والتوثيق والتجميع والتدوين دفعها إلى تقليص حجم مشاركاتها في عالم الغناء والتلحين، «أحاول قدر المستطاع أن أعطي كلّ ناحية فنية وقتها. وصلت إلى قناعة أنني لم أدرس 25 سنة لأغني فقط، المغنى وصوتي مهمان بالطبع، وسأصدر ألبوماً غنائياً في الفترة المقبلة، إنما شغفي الأكبر هو الكتابة. قد يمضي يوم كامل من دون أن أنتبه حين أقوم بالتدوين على سبيل المثال، أنهيت تدوين 6000 من الموشحات والأدوار ومستمرة طالما أتمتّع بالصحة وأستفيد من الوقت في العمل»، لا يقتصر عمل شبير على المقامات العربية بل ترنّم التراتيل الدينية وتجمع وتدوّن المخطوطات السريانية والألحان البيزنطية.
الموشحات
حازت شبير شهادة الدكتوراه في العلوم الموسيقية العام الماضي وسألت من خلال رسالتها المعنونة «تقنية الغناء العربية بين التجويد القرآني والترتيل السرياني»، كيف يمكن الاستفادة من اللغة العربية النثرية الموجودة في القرآن والإنجيل، ومن الألحان التي تؤخذ من الآذان والتجويد والتراتيل لخلق تقنية خاصة في الغناء، «حصدت رسالة الدكتوراه مني وقتاً كبيراً واتسعت لـ 600 صفحة. أعتبرها بداية حياتي البحثية، إذ من خلالها لمست النقص في موضوع المقامات والارتجال، وفتحت أمامي حيوات البحث». قامت شبير في الغوص في عالم النَفَس على صعيد الكلمة العربية، «كي أخلق نمطاً مختلفاً وأداءً مختلفين عن غيري في الغناء. الكلمة ملحّنة باللاوعي، قرأت كل ما يتعلّق الفارابي ولا سيما ما قاله عن النفس والآخر، واستطعت استنباط ما أريده من خلال النغم».
شبير المسؤولة عن فرقة الغناء العربي في الجامعة ترى أنّ أهم أهدافها هو خلق الشغف لدى أعضاء الفرقة تجاه الموشّحات، «الأهم أن يحبوا ويحفظوا ويهتموا بالموشّحات إذ لا عطاء من دون حب».
يُذكَر أنّ شبير شاركت أخيراً في مهرجان للترتيل الديني القديم في السويد، وتحضّر عملاً جديداً لتقدّمه في بولونيا، «سأقدّم ساعة وثلث الساعة من الموشّحات دون توقّف، هو نوع من التتالي من تلحيني ومواويل من أدائي مع ارتجالات».

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى