القرني يتناول الكتابة الإبداعية في ضوء نظرية ما وراء المعرفة

محمد الحمامصي

يشكل هذا الكتاب “الكتابة الإبداعية.. في ضوء نظرية ما وراء المعرفة” للباحث السعودي دخيل محمد القرني، دراسة علمية أجراها المؤلف لنيل درجة الماجستير في المناهج وطرائق التدريس لتكون رافدًا للباحثين والقرّاء في مجال الكتابة الإبداعية.

وأشار إلى أنه ارتأى طرْق باب هذا المجال عندما تولّد لديه إحساس بمشكلة محددة من خلال عمله معلّمًا للغة العربية بمدارس التعليم السعودي العام؛ حيث لاحظ في أثناء تدريسه مواد اللغة العربية للصف الأول الثانوي ضعفًا في كتابات الطلاب عندما يُطلب منهم كتابة مقالات تعبّر عن أفكارهم ومشاعرهم؛ وأكد هذا الضعف ما أشار إليه عدد من الخبراء والباحثين بأنّ الشكوى ما زالت تتكرّر وتتنامى من ضعف الطلاب في الكتابة، وافتقادهم لمهارات الكتابة الإبداعيّة، كما أكّدوا على وجود حاجة ماسّة إلى تحسين الكتابة الإبداعيّة لدى طلاب المرحلة الثانوية.

من هنا شرع القرني في استخدام استراتيجية التساؤل الذاتي ودراسة فعاليتها في تنمية مهارات الكتابة الإبداعية لدى طلاب المرحلة الثانوية، وهي إحدى الاستراتيجيات التي تنتمي إلى نظرية ما وراء المعرفة، وقد أثبتت فعاليتها في كثير من المتغيرات. مؤكدا أن الكتابة الإبداعية نشاط لغوي ذو أهمية كبيرة للطلاب، يستطيعون من خلاله إبراز ذواتهم عن طريق التعبير عن مشاعرهم، وما تكنّه أفئدتهم، وما تضمره أذهانهم من أفكار، ورؤى، وتصورات، وترجمتها من خلال الألفاظ والتراكيب ذات الجمال اللغوي، والاستعانة بالمحسنات البديعية والصور البيانية إلى مقالات وقصائد وقصص وخواطر؛ ورأيت أنّ هذا النشاط سيؤتي أكله عندما يمارس من قبل طلاب المرحلة الثانوية أكثر من غيرهم؛ فهم بحاجة إلى إخراج أحاسيسهم، ومعاناتهم، وإبراز اتجاهاتهم وميولهم عبر كتاباتهم؛ فالكتابة الإبداعية تظل متنفّسًا للإنسان سواءً حينما يكتب، أو حينما يقرأ، وتكتشف المواهب الأدبية من خلالها.

ويقول القرني “عندما استخدمتُ هذه الاستراتيجية (المتغير المستقل) في تنمية مهارات الكتابة الإبداعية (المتغير التابع) وفق مناهج البحث العلمية، من خلال اتباع المنهج التجريبي، واختيار عيِّنة عشوائية من طلاب الصف الأول الثانوي، خلصتُ إلى نتائج عدة كان من أهمها: تفوق طريقة التدريس الحديثة (التساؤل الذاتي) على الطريقة التقليدية ووجود دلالة واضحة على فعاليتها في تنمية مهارات الكتابة الإبداعية لدى طلاب الصف الأول الثانوي. وكان لزامًا عليّ ولما تقتضيه منهجية البحث أن أصمّم دليلين أحدهما للمعلّم والآخر للطالب يوضحان كيفية استخدام استراتيجية التساؤل الذاتي في أثناء الدرس. وتمّ إرفاقهما في هذا الكتاب ليكونا خيرَ معينٍ للمعلم والطالب.”

ويرى القرني في كتابه الصادر عن مؤسسة أروقة للنشر والترجمة أن الكتابة تظل من الأنشطة اللغويّة الضرورية في حياة الإنسان؛ استنادًا إلى كونها “تمثّل أداة رئيسة في تعرّف أفكار الآخرين ومشاعرهم والإلمام بها، والتفاعل معها؛ فهي إحدى وسائل الاتصال الإنساني، الفاعلة إرسالاً واستقبالاً، ولاسيّما في العصر الحاضر الذي انتشرت فيه وسائل الاتصال الحديثة والفضائيّات وشبكة المعلومات إلى جانب المطبوعات والصحف والمجلات والكتب وغيرها”.

أضف إلى ذلك أنّها تعدُّ منفذًا أساسيًا لإطلاق الطاقات الإبداعيّة والتعبير عنها في صورة مكتوبة، وذلك من خلال تعبير المتعلّم عمّا يجول بخاطره من أفكار، ومشاعر، يترجمها بأسلوب أدبي، ويبلورها في سياق لغوي، يتّسم بالأصالة والطلاقة، والمرونة والتفاصيل.

وتنقسم الكتابةُ إلى نوعين: كتابة وظيفيّة، وكتابة إبداعيّة. والكتابة الوظيفية هي: “ذلك النوع الذي يحتاج إليه الطلاب في وظائفهم المستقبلية، أو الحياة العملية، كالرسائل الإدارية، والتقارير، والبرقيّات”، أمّا الكتابة الإبداعيّة فوفقا لكريستوفر فهي دائرة من النقاش تفرض على الكاتب تبرير نفسه بكلماته الخاصة، بوصفها شكلاً من أشكال التفكير، والدخول في مراحل التفكير في أثناء الكتابة أمرٌ جذاب يستحق التساؤل.

أمّا آلان فيرى أنها عملية تسمح بإنتاج نص مكتوب من خلال تطوير الفكرة الأساسية ومراجعتها وتطويرها؛ وفي السياق نفسه، يرى جلهوم أنّها “فن لُغوي يتمّثّل فيه الإبداع للتأثير على النفوس من خلال الأسلوب اللغوي السليم، والمتمّيّز بقوة المعنى، وأصالة الفكرة، ودقّة التصوير، وعذوبة اللفظ”.

ويشير القرني إلى أن أهميّة الكتابة الإبداعيّة تبرز باعتبارها هدفًا من أهداف تعليم التعبير بالمراحل التعليمية المختلفة. ولها مجالاتٌ عدّة، لعلّ من أبرزها مجال المقال الذاتي، ويُقصد به قدرة المتعلّم على التعبير عن نفسه ومشاعره واتجاهاته نحو موضوع ما، بحيث يتجلّى في هذا التعبير الموقف الشخصي للمتعلّم من الموضوع.

وتزداد أهميّة الكتابة الإبداعيّة لطلاب المرحلة الثانوية، من مُنطَلق طبيعة المرحلة، وخصائصها النمائية، وما تتّسم به من غزارة العلوم والمعارف مقارنةً بالمرحلتين السابقتين، ولمِا وصلَ إليه طالبُ هذه المرحلة من نمو عقلي، وانفعالي، واجتماعي.

ويقول “على الرغم من تلك الأهميّة الواضحة للكتابة بشكل عام، والكتابة الإبداعيّة بشكل خاص؛ فإنّ نتائج بعض البحوث والدراسات أكّدت ضعف الطلاب في الكتابة الإبداعيّة، وعدم قدرتهم على التعبير عن أفكارهم، ومشاعرهم، وذلك كما ورد في العديد من الدراسات، وعزا الباحثون ذلك الضعف إلى مصادر مختلفة منها: قلّة إشراك المعلّم لطلابه في تصحيح أخطائهم، وقلّة إرشاده لطلابه قبل الكتابة وفي أثنائها، واستخدامه طرائق تقليدية في أثناء الشرح.

وسعيًا لمواجهة هذه المشكلة، تحاول وزارة التربية والتعليم علاج الضعف اللغويّ لدى طلاب المرحلة الثانوية، وحثّتْ على تدريس الكتابة عبر منهج الكفايات اللغوية، الذي يتضمن كفايات لغويّة متلازمة، هي: الكفاية النحويّة، والإملائيّة، والقرائيّة، والاتصال الكتابي، والاتصال الشفوي؛ وتمثِّل هذه الكفايات المهارات الأساسيّة للغة؛ وبهذا صارت فروع اللغة العربية متكاملةً جميعها في كتابٍ واحد”.

ويضيف “من هذا المنطلق تضاعفتْ أهميّة الكتابة الإبداعيّة لدى طلاب المرحلة الثانوية؛ فقد تبرز إبداعاتهم عبر كفاية الاتصال الكتابي، وقد تُسهِم هذه الكفاية في تحسين الكتابة الإبداعيّة بشتّى مجالاتها عند تعلّمها باستخدام استراتيجيات حديثة، وتأييدًا لذلك اقترحت بعض الدراسات استخدام استراتيجيات تدريس حديثة تعتمد على ذاتية المتعلّم في تنمية مهارات الكتابة الإبداعيّة لمختلف المراحل التعليمية. ومن الاستراتيجيات التي يمكن أن تتلاءم مع طبيعة منهج الكفايات اللغويّة استراتيجيات ما وراء المعرفة؛ لاعتمادها على نشاط المتعلّم وحيويته”.

ومن استراتيجيات ما وراء المعرفة التي تركّز على المتعلّم بشكل واسع استراتيجية التساؤل الذاتي؛ حيث يرى بهلول (2004) أنّها إحدى أهم استراتيجيات ما وراء المعرفة وأكثرها شيوعًا في تطبيقات البحوث والدراسات التربوية. وقد أثبتتْ فعاليتها في تنمية عدد من المتغيرات؛ حيث أكّدتْ دراسات كلٍّ من: (عريان، 2003؛ فهمي، 2003؛ عبدالحافظ، 2007؛ المنشاوي، 2008؛ منّاع، 2008؛ العذيقي، 2009) على إيجابيتها في عمليّة التعلّم نتيجة تحمّل الطالب مسئولية تعلّمه، وتحكّمه فيه.

كما أوصت دراستا (السليمان، 2001؛ أبو سكينة، 2004) بضرورة تطبيق استراتيجيات تدريس حديثة كاستراتيجية التساؤل الذاتي لاعتمادها على إيجابيّة الطالب، ونشاطه في الموقف التعليمي.

ويشير عبدالحافظ (2007، 123) إلى أنّ “هذه الاستراتيجية تعتمد على طرح الطالب العديد من الأسئلة على نفسه خلال معالجة المعلومات، واستخدام هذه الاستراتيجية يجعل الطالب قادرًا على استرجاع مواقفه اليومية، وخبراته السابقة، ومحاولة التعرّف إلى نقاط القوة والضعف فيها، وبالتالي يعمل على تعديلها أو تغييرها، ويمرّ الطالب في هذه الاستراتيجية بثلاث مراحل، هي: مرحلة ما قبل التعلّم، ومرحلة أثناء التعلّم، ومرحلة ما بعد التعلّم”.

وبالتالي يتضمّن تدريبُ الطلاب على هذه الاستراتيجية خطوات عدّة، منها: اختيار الموضوع، تحديد الهدف، جمع المعلومات وتصنيفها، تخطيط الموضوع، وكتابة الصورة الأوليّة للموضوع (المسودة) ومراجعتها، بحيث يتمّ تحويل هذه الخطوات إلى تساؤلات يوجّهها المتعلّم إلى نفسه قبل الكتابة وفي أثنائها وبعدها.

وممّا يزيد من أهميّة استراتيجية التساؤل الذاتي ما أكدّته عريان (2003) بأنّ هذه الاستراتيجية تفيد طلاب المرحلة الثانوية أكثر من أيّة مرحلة أخرى؛ لأنّها تسهم في انتقال أثر التعلّم، وتنمّي مهارات التنظيم الذاتي لعملية التعلّم. وعلى الرغم من إيجابيّتها؛ فإنّه لا توجد دراسةٌ علميّةٌ واحدةٌ- في حدود قراءاتي- تناولت بالبحث والتجريب استخدامها في تنمية مهارات الكتابة الإبداعيّة في المملكة العربية السعودية.

ويؤكد القرني أنّ الكتابة الإبداعيّة تنتج من امتلاك المتعلّم الطلاقة والثروة اللغوية، والقدرة على توليد الأفكار، وتنظيمها، والبراعة في التخيّل، وترجمة الصور الذهنية، كما أنّها تتطلب التخطيط، وتكوين صورٍ حقيقيةٍ عن الموضوع، وإعادة كتابته بأسلوبٍ جديد، كما تحتاج -أيضًا- تفكيرًا قبل القيام بها، وفي أثناء ممارستها، ومراجعة دقيقة لها، لكلّ هذا توقعتُ مناسبة استخدام استراتيجية التساؤل الذاتي لتنمية مهارات الكتابة الإبداعيّة لدى طلاب الصف الأول الثانوي، حيث إنّ استراتيجية التساؤل الذاتي تنمّي مهارات التنبؤ، والتخيّل، وحلّ المشكلة”.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى