قوارب التنين.. ذكرى شاعر صيني حارب الفساد

علي ابو مريحيل

بعد مرور أكثر من ألفي عام على انتحار الشاعر “تشيو يوان” لا يزال الصينيون حتى اليوم يحيون ذكراه بالحماس والتحدي نفسه، على أمل إنقاذ روحه من شراك الأسماك المتوحشة والأرواح الشريرة في نهر “مي لو”.

تعود قصة تشيو يوان إلى حقبة الاضطرابات التي شهدتها الصين في عهد سلالة “تشو” الممتدة بين من عام 1028 ق.م إلى 256 ق.م، حيث كان شاعراً وناشطاً سياسياً يدعو إلى الإصلاح ومحاربة الفساد، غير أن فشله في ذلك دفعه إلى الانتحار، فألقى نفسه في النهر.
ولما علم الناس بانتحار الناطق بأوجاعهم، هرعوا للبحث عنه باستخدام قوارب التنين، وألقوا لفائف الأرز المعروفة باسم “تسونغ تسي” في قاع النهر لثني الأسماك الجائعة عن أكله، وكانوا أثناء تجديفهم على ظهر القوارب يقرعون الطبول ويصدرون ضجيجاً كبيراً لطرد الأرواح الشريرة من المكان.
صادف ذلك اليوم، الخامس من الشهر الخامس، وفق التقويم القمري الصيني عام 278 ق.م، ومع مرور الوقت أصبح تقليداً سنوياً يحيي فيه الصينيون ذكرى رحيل شاعرهم بتنظيم سباقات قوارب التنين، وأكل اللفائف المصنوعة من ورق الخيزران والمحشوة بالأرز والبيض واللحم والفول الأحمر.

موروث ثقافي
فانغ يان، فتاة في العشرين من عمرها، طغى صوتها على أصوات المتجمهرين حول ضفاف نهر “تونغ خوي” أثناء تشجيع شقيقها المشارك في أحد سباقات قوارب التنين التي نُظمت في العاصمة بكين.
وأعربت فانغ عن سعادتها بهذا اليوم باعتباره فرصة لشحذ الهمم، واستعادة الحيوية والنشاط بعد قضاء عام كامل في روتين الدراسة والعمل.
وقالت “لا بد من الحفاظ على هذا التراث، فهو جزء من تاريخنا وثقافتنا، إنها مسؤولية كبيرة، لا تقع على عاتق الدولة فقط، بل على عاتق كل فرد صيني”.
مجاديف الإصلاح
في خضم بهجة المناسبة وحماسة جمهور لم يكل من التشجيع والتصفيق، أطل من بين الجموع المحتشدة حول نهر “تونغ خوي” شخص كان له رأي آخر لا يتفق مع من ينظر إلى هذا اليوم باعتباره مجرد موروث ثقافي ومناسبة للترويح عن النفس بالتصفيق والتهليل.

إنه “شيانغ وو”، رجل أربعيني يعمل أميناً لإحدى المكتبات العامة بالعاصمة، الذي يقول إنه “لا ينبغي في هذه المناسبة إغفال السبب الحقيقي الذي قضى من أجله تشيو، وهو محاربة الفساد ودعوته إلى الإصلاح والتغيير”.
وتابع “لم يكن الصينيون القدماء في مثل هذا اليوم يجدّفون على ظهر قوارب التنين بحثاً عن فقيدهم بقدر ما كانوا يجدفون ضد الفساد، ولم يكن صراخهم وضجيجهم سوى نذير للفاسدين في الدولة الذين كانوا سبباً في انتحار شاعرهم”.
ودعا شيانغ إلى “زيادة أعداد قوارب التنين وارتفاع ضجيجها وقرع المزيد من الطبول أكثر من أي وقت مضى”، في إشارة إلى حالة الفساد المستشري بالدولة.
بعيداً عن مدى صحة وواقعية هذه الأسطورة التي يطالعنا بها التراث الصيني، يبقى عيد قوارب التنين مناسبة عامة في الصين، لا تحيي روح الشاعر “تشيو” فحسب، بل تحيي القيم النبيلة في وجدان الشعب الصيني المرتبطة بالإخلاص والوفاء والولاء، وهو ما جعل لهذه المناسبة خصوصية تميزها عن باقي المناسبات والأعياد، ليس بفضل أسطوريتها، بل بفضل مضامينها الإنسانية.

(الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى