بشر يخوضون الحرب بلا أسلحة

اريج جمال

قررت إدارة سينما «زاوية» في القاهرة، عرض أربعة أفلام قصيرة في برنامج واحد على مدى أيام معدودة في حفلة السابعة والنصف مساءً، في تجربة هي الأولى تخوضها الدار المخصصة لعرض الأفلام الفنية في وسط البلد. والنتيجة تخصيص المزيد من الحفلات لعرض البرنامج، إذ حقق تفاعلاً جماهيراً كبيراً ربـما لم يكن في الحُسبان.
يحتوي البرنامج وفق الترتيب على فيلم «غصرة» التونسي من إخراج جميل النجّار، و«السلام عليكِ يا مريم» الفلسطيني من إخراج باسل خليل، و»موج 98» للبناني إيلي داغر، إلى جانب «حار جاف صيفاً» عمل شريف البنداري الجديد الأطول نسبياً بين أفلام البرنامج. ومن المعروف أن الأفلام الأربعة كانت قد جالت بين المهرجانات الدولية، قبل أن تسكن قليلاً كي يشاهدها الجمهور القاهري قبل شهر رمضان الكريم، الذي تستوحد فيه دور العرض السينمائية موقتاً بلا متفرجين.

المواطن المضروب
أصعب ما في فيلم «غصرة»، هي لقطة النهاية حين يتعرض المواطن القليل الحيلة للضرب من جانب أفراد الشرطة لأنه قد بال في سيارتهم بعد أن منعه الجميع خلال ساعات طويلة من ممارسة حقه الطبيعي في جوار شجرة. كان الموقف مُضحكاً أمام كل هذا التعذيب الذي مورس ضد المواطن التونسي سائق التاكسي الذي لا ناقة له ولا جمل. الضحكات المتتالية للجمهور فجرتها زجاجات الجعة التي اضطر لاحتسائها وهو على هذه الحال، أفراد داعش الذين أرغموه على الاستتابة من شرب الخمر، أو المرأة المثيرة التي تسأل عن الطريق وتحاول استمالته جنسياً.
ظلّ المشاهدون يضحكون حتى والرجل الذي لا نعرف اسمه يتعرض للضرب والتنكيل الجسدي العنيف في اللقطة الأخيرة. عمل مُرّ، ربما يكون قد ساعد في التخفف الجماعي من مرارة السياسة.
مرّة أخرى في «السلام عليك يا مريم» لم يكن للأمر علاقة بدير الراهبات الفلسطينيات، وأجوائه الروحية الناعمة. كان الموضوع يخصّ أسرة إسرائيلية اضطرت للتوقف وطلب المساعدة من الأعداء، راهبات مسيحيات يصمن عن الكلام كي يُتممن صلواتهن للسيّدة العذراء.

يدٍ واحدة
يدور الفيلم بين بوابة الدير في الصحراء الشاسعة والمكان الهادئ في الداخل. سقط رأس تمثال السيّدة العذراء بسبب خَبطة مقدمة السيارة اليهودية في المُجسم المقدس في العقيدة المسيحية، وهذا ما سيجعل السخرية من الوفاق الذي سيدّعيه كلا الطرفين مع بعضهما بعضاً، لُبّ الفيلم: تجلس العائلة اليهودية لأداء صلاة العذراء في صمت، والسيارة التي نامت أعواماً في المرآب بعد وفاة صاحبتها الراهبة، ستعمل مجدداً كي تُعيد العائلة الإسرائيلية إلى مستوطنتها، كم هو الإنسان فقير!

الحياة في الكابوس
«موج 98» عمل إيلي داغر المتوج في كان بسعفة الأفلام القصيرة يُعرض أخيراً في القاهرة. يرغب عُمر البطل المرسوم بألوان قاتمة في الهرب من الحرب في بيروت، هذه التي لا تبدو حرباً أهلية فقط، إنها حرب في النسيج النفسي للمدينة وللبشر. وكان يبدو لعُمر أنها لن تتوقف أبداً. يظهر جسد الفيل الذهبي ذات يوم لعُمر، فيأخذه من هذيانه المستمر إلى حياة رحبة، يُصبح فيها العالم الحقيقي مجرد افتراض، ويكون الافتراض هو الواقع، إذ يرتد عُمر مع أصحابه إلى الطبيعة مُجردة عن البنايات والاختناق. لكن عُمر يعود في النهاية إلى كوكبنا نحن الذين كرهناه أيضاً معه أثناء المشاهدة. طبيعة العمل التجريبية بين الألوان والحقيقة والكوابيس الكافكاوية الحابسة جعلت الفيلم يحصل على أقل تفاعل بين أفلام البرنامج، يمثل «موج 98» ذائقة لم يعتد عليها المصريون، لكن إيلي داغر في الأخير يعدُ بحياة تريد أن تولد على أطراف الموج.

طقس القاهرة البخيل
في ملحق سابق من «الحياة»، نُشرت مقالة منفردة عن عمل شريف البنداري الذي يجد كثيراً من التفاعل مع الجمهور. يحكي الفيلم باختصار عن مواجهة إجبارية للزحام ساعة الذروة من جـانب شيخ مريض يريد اللحاق بموعد طبيبه وعروس وحيدة تتجهّز للعرس، ينتهي الفيلم بصورة للشخصين معاً في إطار واحد بعد أن ارتضى الشيخ أن يلعب دور العريس الشاب موقتاً في الكادر قبل أن يتدخل الفوتو شوب لإصلاح الخطأ، عمل يلتحم بالمشاهدين ويعدهم مثل هذا البرنامج بالمزيد.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى