ألطاف عبدالله: المعنى التصويري لآيات القرآن يدخل ضمن حقول الثقافة البصرية

محمد الحمامصي

تطرح الفنانة التشكيلية اليمنية ألطاف عبدالله على حمدي في كتابها “الدلالة التشكيلية والتصويرية في القرآن الكريم .. مدخل لتصوير تعبيري تجريدي معاصر”، الصادر عن مؤسسة أروقة للترجمة والنشر، نقطة مفقودة لم يتطرق لها الفنان التشكيلي والنقد للفنون التشكيلية الإسلامية، فقد تم حصر المعني التصويري لآيات القرآن الكريم على التشكيل البصري لقصص القرآن الكريم، متجاهلين التشكيل البصري التجريدي التعبيري لآيات القرآن الكريم، وما تحمل من رؤية تشكيلية للمعني التصويري وتشتمل على مدرك بصري من دلالات تجريدية ومدرك بصري تعبيري تشير للمدرك المعرفي والفكري المفاهيمي.

وهذا ما يؤكد أن المعنى التصويري لآيات القرآن الكريم يحمل فكرة ومضموناً يستطيع الفنان المسلم التعبير عنها باستخدام اتجاه التجريدية التعبيرية المعاصرة باستخدام دلالات ومدرك بصري لمدرك معرفي علمي.

وتلفت الفنانة ألطاف إلى ما أكده عفيف البهنسي في كتاب “الفن الإسلامي” أن الفن الإسلامي يتسم بالتعبيرية التجريدية، أكثر من السرد الوصفي الواقعي.

وتقول: “لقد أخذ الفن الإسلامي مبدأين (التصحيف) بمعنى تحوير معالم الواقع وتعديل نسبه وأبعاده وفق فكرة الفنان. والمبدأ الثاني هو (التغفيل) أي الابتعاد عن واقع الشكل وتشبيه الشيء بذاته إلى التمثيل الكلي والمطلق، وهكذا فسر الكثيرون سبب التصحيف في الفن الإسلامي. لهذا اتجه فكر الفنان المسلم بنظريته الحدسية للبحث عن الجوهر الخالد. وهذا ما يستطيع الفنان التشكيلي المعاصر أن يستخدمه في المعنى التصويري لآيات القرآن الكريم بأسلوب التغفيل والتصحيف للفن التجريدي الإسلامي، فكما أكد الفنان الالماني ماتيس “أن الدقة لا تؤدي إلى الحقيقة”، بمعنى أن الحقيقة للمعنى.

وكذلك فإن المعني التصويري لآيات القرآن الكريم ليست التشكيل البصري لصورة المطابقة لتصوير البصري الواقعي، ولكنها في الشكل المطابق للتصوير البصري للمعنى الكلي كتشكيل بصري تجريدي، فهذا هو المنطلق الفكري والمفاهيمي الذي يسعى الفنان المسلم كي ينعكس على الدلالات والرموز البصرية لرؤى ورموز الفن التجريدي الإسلامي للوصول إلى مدرك معرفي لفكرة ومضمون للمعني التصويري لآيات القرآن الكريم”.

وترى أن كلمة الفنون في الفن الإسلامي شملت التجريد في جميع مجالات الفنون الإسلامية، ومنها الفن التشكيلي الإسلامي الذي شمل جميع الإبداع والابتكار في الرؤى والرموز للدالات؛ فن الخط وفن الزخرفة وفن التصور والعمارة والصناعات اليدوية.

ولقد استخدام التصوير بالتشكيل البصري التعبيري التجريدي كوسيلة للزينة والتذوق الجمالي، ويبدو ذلك بوضوح في التصوير في حمامات قصور العصر الأموي، وهذا يدل على أن المسلمين أصحاب ذوق رفيع.

واهتمّ المصورون التشكيليون في العالم الإسلامي قديمًا بتشكيل بصري لمفردات النص القرآني وتزيين الكتب والصور والخطوط الجميلة كتجميل لها. حيث كتب الفنانون خطّ الكتب بخطوط جميلة ورشيقة وزيّنها المصورون بلوحات للنص الكتابي.

ولقد أكد محمد جودي في كتابه “الفن العربي الاسلامي” أن دور الفنانين المسلمين الأوائل انحصر في استخدام الزخرفة المجردة لتذهيب نصوص القرآن الكريم، وبعد ذلك أضاف بعض المصورين المتأخرين في بلاد فارس صورًا لأناس وحيوانات.

ومن الأسباب التي جعلت فن التصوير الإسلامي يوصف بفن الزخرفة أنه اعتمد على تجميل وزخرفة كتب القصص والتاريخ والعلوم الطبيعية.

وذكر جودي أن نشأة الفنون الإسلامية في القرون الوسطى كان مصدرها الدين الاسلامي، وكان للفنون الإسلامية الأثر البالغ في تطور الفنون في العالم ومر الفن الإسلامي بمراحل تطوير وابتكارات كثيرة لم يعترف بها إلا بعد أن أقامت بعض دول اوروبية متاحف ومعارض للأعمال الأثرية الفنية الإسلامية في بعض مدنها، ومن بعد توسع نطاق هذه المعارض فأقيم في سنة 1912 لأول مرة في مدينة ميونخ بألمانيا معرض الفنون “المحمدية” نسبه إلى الرسول محمد صلّى الله عليه وسلم، ومن المعرض تحررت أفكار الأوروبيين وتخيلاتهم وتصوراتهم عن الفنون الإسلامية.

وتوضح الفنانة ألطاف أن التشكيل البصري هو تحويل الدال الصوتي لآيات القرآن الكريم إلى مدلول بصري ذي رؤية بصرية على مستوى العين المجردة أو الخيال من خلال استخدام المضامين البسيطة لعناصر التشكيل من النقطة والخط والشكل كفن الكتابة والمضامين المركبة من اتزان وتناظر وتكرار في الشكل والفراغ والمركزية والتناغم والتجاور والتقارب، كما في فن الخط العربي (الحرفيات)، بهدف تكوين إدراك حسي للمتلقي من خلال حاستي الصوت والبصر، فالمتلقي يحقق الإدراك المعرفي للمضمون الفكري والمفاهيمي لآيات القرآن الكريم من خلال التلقي لمفردات البصري من علامات ورموز وربطه بالخبرات الذاتية السابقة لنص الشفهي في الالقاء وفن التجويد فيكون الإدراك الحسي بربط العلامات الكتابية والرموز التشكيلية البصرية بالمضامين الفكرية لهذه الآيات الكريمة.

إذن فإن المعني التصويري لآيات القرآن الكريم يعتبر ضمن حقول الثقافة البصرية التي تعرَّف بأنها منظومة متكاملة من الرموز والأشكال والعلامات والمضامين التي تحمل خبرات ورصيد الشعوب الحضاري وهي نامية ومتجددة وذاتية وديناميكية.

وتؤكد أن التشكيل البصري لمفردات المعني التصويري لآيات القرآن الكريم. فقد وردت مشاهد وصور بلاغية بيانية عظيمة في آيات القرآن الكريم تصور الجماد والحركة والحياة في الأرض وهذه الصور تجسد تشكيلاً بصرياً وكأنها لوحه تعبيريه ترسم في خيال الإنسان عند التدبر والتفكر في النص الشفهي لهذه الآيات.

وقد لا تذكر كل التفصيل بل إنها قد تجرد الفكرة ومع الأيام يكتشف العلم الحديث تفسير هذه المعاني الكريمة، ومن مدخل المعنى البلاغي والعلمي لآيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم نجد أنه ترسم في ذهن الإنسان صور تعبيرية ومجردة وكما أنها أعمال تجريدية تعبيرية المعنى، مع أن البلاغية العظيمة التي يحملها المعنى التصويري، كما في آيات القرآن الكريم والتي تعجز كاميرات التصوير والأفلام وكافة وسائل التعبير والخيال عن تصويرها لنا، كما جاءت في كتاب الله العزيز وفي آيات الإعجاز العلمي لآيات القرآن الكريم وردت بها مفردات بالنص الشفهي والنص الكتابي علامات ورموز تشكيلية تنقل إدراك المتلقي من النص الشفهي والكتابي إلى إدراك ذهني للفكر والمضمون لآيات القرآن الكريم، إلى الإدراك الفكري والمفاهيمي لما يحمل من مفردات ذات دلالات ورموز بصرية تمثل المدرك البصري لمدرك فكري ومعرفي للرؤية العلمية والفلسفية التي أثبتها العلم المعاصر.

وأما عن المعني التصويري اللوني في القرآن الكريم فقد أشار أشرف فتحي عبدالعزيز في دراسة بعنوان “الألوان في القرآن .. رؤية فنية ومدلول”. أكد على أنه ورد لفظ الألوان ومشتقاته في سبع آيات فقط في القرآن الكريم (ويلاحظ تطابق العدد مع ألوان الطيف).

وجد البحث أن القرآن الكريم يظهر مدلولات للألوان وتأثيرات على النفس البشرية. وأنه ورد في القرآن الكريم لفظان يدلان على شدة اللون وهما (فاقع وغرابيب) وتقترح الدراسة استخدام كافة الوسائل للعمل على تعميق المعارف الفنية وتأصيلها لما لها من دور مهم في رفع المستوى الثقافي لتحقيق التنمية البشرية، وتقوية مشاعر الانتماء الحضاري والتاريخي بناء على مدلولها في القرآن الكريم.

وحول توظيف الفنان للدلالات التشكيلية للخط العربي تلفت الفنانة ألطاف إلى إن قيمة الخط تكمن في الشخصية التي تتجاوز وظيفتها لأنها لا تتعلق بمضمون الألسن، مثلا استخدام الفنان شاكر حسن التشكيل البصري للحرف بمعنى واحد لثلاثة مفاهيم، الخط كونه تجويدياً تصويرياً للنص الشفهي، وكأصل للاتجاه الحروفي تصوير للنص الكتابي، وتجسيد حركة النقطة عن التشكل البصري، فعبَّر عن الرؤية التشكيلية التجريدية التعبيرية للفنون الإسلامية بمدرك بصري كدلالة تشكيلية لمدرك بصري معرفي في عمل فني تصويري تشكيلي، باتخاذ التشكيل البصري للنص الكتابي كرؤية تشكيلية صرف، ليقدم صيغة معاصرة للخط العربي الإسلامي.

لقد سعى الفنان المسلم إلى تجاوز عالم الشهادة للوصول إلى عالم الغيب. وبقدر ما يكون العمل التشكيلي تجريدياً بقدر ما يكون ارتباطه بالتعبير عن علم الغيب قوياً حتى يصل به هذا الارتباط إلى تحويل المنطلق الفكري المفاهيمي والفلسفي للفنون الإسلامية إلى صورة ثقافة تجسِّد الثقافة البصرية الإسلامية، وكما أن التغفيل كان نتيجة الوحدانية في العقيدة الإسلامية.

وتتطرق الفنانة ألطاف إلى المنطلق الفكري والمفاهيمي للتشكيل البصري التجريدي في الفنون الإسلامية والمنطلق الفكري والمفاهيمي للتجريد في فنون ما بعد الحداثة والفنون المعاصرة، حيث ترى إن المنطلق الفكري المفاهيمي للفنون المعاصرة وفنون ما بعد الحداثة يعتبر أن الفن يقدم فكرة واضحة عن مشاعر وإحساس الفنان وانفعالاته في عمل فني.

كما أنه فن صادر عن ضرورة داخلية عند الفنان على نحو تلقائي. كما أنه فن يستخدم فيه الفنان الألوان بطريقة حدسية بناء على شعور الفنان وبتكوين صريح وواضح للتأكيد على القيم الاندفاعية فكوَّن تعبيراً تجريدياً يطلق فيه حرية التخيل في وجود المجاز واللاعقلي.

ونتيجة ظهور نظريات علمية جديدة لها أثرها الإيجابي في الثقافة البصرية، والأبحاث مع الدراسات المستفيضة للفنون. وما حققه العلم في جميع جوانب المعرفة. ومحاولات ابتداع فن يكون جديداً من حيث الشكل والمضمون، اتخذ التعبير التجريدي قاعدة انطلاق جديدة للفنون، لتكون آفاقاً فنية جديدة داعمة للفكر القائم على أساس علمي فلسفي للتوصل إلى أساليب ابتكارية مستحدثة.

يوجد هناك إذن حافز ودافع للتعبير نابعين من الجذور الفلسفية لمذهب التعبيرية التصويرية آخذة صفة الدلالة في الأشكال كمدرك بصري، لها فكرة ومضمون قيمة سامية في مجال الفنون التشكيلية، وأصبح الاتجاه التجريدي التعبيري منطلقاً فكرياً مفاهيمياً رافضاً محاكاة وتمثيل التصوير التشكيلي التقليدي المباشر، وكسر حواجز الفنون السبعة من أجل إنتاج عمل فني تجريدي تعبيري بهدف طرح فكري وفلسفي لقضية اجتماعية بشكل بصري وتشكيلي تجسده الصورة الثقافية لفكر وفلسفة الفن المعاصر وفنون ما بعد الحداثة، حيث تميزت بأنها عالم من الابتكار الفكري والمفاهيمي في الأسلوب لأن كل ما هو موجود هو معالجات تشكيلية للأساليب والاتجاهات بأسلوب يعبِّر عن فكرة وفلسفة لقضية ورسالة المجتمع والتي تترجمها الأعمال التشكيلية إلى الجمهور بطريقة جديدة فكرية ومفاهيمية معاصرة للمجتمع.

اتسمت هذه الأعمال بأن لها فكراً وفلسفة لتعبير تجريدي بصري تميز بحياته الخاصة ووجوده المستقل فأصبحت له قراءاته المتعددة وفق الألوان والخطوط والمساحات والتقنيات لتحقيق الفكرة فتجعل الفكر العلمي يرجع إلى نفسه ويقبل ما كان يعده غير عقلاني ينفتح على المستبعد واللامعقول أو على المتغير والمجهول، فلقد عبَّر التصوير التشكيلي في التجريدية التعبيرية عن خصوصية، وبدلالات رمزية، وعلامات تشكيلية للعناصر، لبناء تشكيلي لعمل فني وقيم جمالية بخطوط عريضة يشترك فيها الفكر الثقافي والفلسفي للمجتمع المعاصر للصورة الثقافية.

وتختتم الفنانة ألطاف كتابها بدراسة تحليل شكلي للتعبير التجريدي في التشكيل البصري للمعنى التصويري في آيات القرآن الكريم، من خلال صور أخذها علماء الفلك تمثل المعنى التوضيحي للإعجاز العلمي أمام آيات القرآن الكريم. وكذلك أعمال تجريدية تعبيرية معاصرة من إنتاجها.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى