جوائز الرواية والشعر العربية والحراك الثقافي

شريف الشافعي

الحديث الذي يتردد كثيرًا عن أن الجوائز العربية الكبرى في الرواية، وعلى رأسها “البوكر”، قد أثرت بالسلب على ألوان إبداعية أخرى، خصوصًا الشعر، أمر لا يخلو من تدليس في حقيقة الأمر.

إن جوائز الرواية، بتأثيراتها الإيجابية والسلبية أيضًا، مرهونة بحقل الرواية بصفة أساسية، فهي غير معنية بالشعر من قريب ولا من بعيد، ولا يعني ترويجها فنًّا بعينه، تثبيطها فنونًا أخرى غير ذات صلة، خصوصًا أن جوائز الشعر العربية ضخمة التمويل والحضور الجماهيري أيضًا، وهي أقدم وأكثر عددًا من جوائز الرواية حديثة العهد.

وبغض النظر عن الملابسات التي تعتري جوائز الرواية المتعددة في عالمنا العربي، والانتقادات التي تدور بشأنها من عدم الحيادية والمحاصصة الجغرافية وعدم أهلية لجان التحكيم بسبب كونهم غير مختصين في بعض الأحوال، وغير ذلك من أمور لا تخلو من صحة، فإن هذه الجوائز، في المجمل، تبدو وقد أحدثت حراكًا إيجابيًّا في المشهد الروائي العربي.

هذا الحراك الإيجابي في المشهد الروائي العربي، يعكس ما تقصده الجوائز عمومًا كفكرة، من تحفيز شهية الكاتب من جهة، واستثارة شغف القارئ من ناحية أخرى، فضلاً عن الترويج بمعناه التسويقي للأعمال الروائية المتنافسة والفائزة من جانب ثالث.

بالنسبة للشعر، الأمر قد يبدو مختلفًا. هناك أكثر من جائزة عربية عالية القيمة المادية مخصصة لفن العربية الأول، بعضها برعاية قنوات تليفزيونية ذائعة الصيت وذات جماهيرية واسعة النطاق.

لكن الواقع أن جوائز الشعر العربية الكبرى، كلها بلا استثناء، تقوم بأثر عكسي، وتلعب دورًا سلبيًّا بامتياز لحساب رجعيات بالية وصور نمطية متهالكة للشعر والثقافة عمومًا.

ولعل سيطرة الحكومات، والمؤسسات الموالية لها، ورأس المال الانتفاعي الموجه، على مثل هذه الجوائز الشعرية المثيرة للسخرية (البترودولارية بتعبير البعض)، يحيلها إلى تكريس مقصود ومتعمد لما هو جاهز ومعلب، فالتغيير عمومًا أو إعمال الفكر من شأنه زعزعة استقرار سلطات ومركزيات نخبوية تتخذ من الثبات والخمول ركيزة لاستمرارها ووجودها.

لماذا اقترنت جوائز الرواية بقيمة اعتبارية ما، وأثر يرتقي بالفن، رغم أن الأعمال الروائية التي تحصد الجوائز قد لا تكون أفضل ما على الساحة، ورغم بعض السلبيات المشار إليها؟ ولماذا خلت الجوائز الشعرية الكبرى من أي إسهام حقيقي في دعم حركة القصيدة المعاصرة، والتطور الثقافي المنشود؟

أول الأسباب، أن الرواية فن وافد، والقصيدة فن موروث. من ثم، جاءت الجوائز العربية الكبرى في الرواية محاكاة، ولو شكلية، للجوائز العالمية في الرواية، في حين تمسحت جوائز الشعر العربي الكبرى بأجواء سوق عكاظ الإنشادية، مهدرة البُعد الزمني.

جوائز الرواية العربية، من هذا المنطلق، عمل مؤسسي واضح المعالم، بهيئاته الإدارية ولجان تحكيمه المفترض استقلاليتها. أما جوائز الشعر، فتحتكم في كثير من الأحوال، إلى جانب لجان التحكيم، إلى الارتجال والشفاهية وأسلوب أداء المتنافسين، وأحيانًا إلى تصفيق الحضور بالمسرح، وتصويت مُشاهدي البرنامج، وغيرها من أمور تبدو بعيدة كل البعد عن العل المؤسسي، وعن الجوهر الشعري محل التذوق والتقييم.

السبب الثاني، طبيعة الشروط الواجب الالتزام بها في مسابقات الرواية، ومسابقات الشعر. ففي حين يتسع صدر جوائز الرواية لكل أنماط التجريب، في فن إبداعي حديث أصلًا بحد ذاته، فإن جوائز الشعر العربية الكبرى تكاد تنغلق بشروطها على أنماط تقليدية (القصيدة العمودية، الأزجال، الشعر النبطي، الخ)، ولا تتعامل تلك الجوائز مع القصيدة كفن مقروء، فقصيدة النثر، على سبيل المثال، لا يُفسح لها المجال للاشتراك، ولو في أحد الفروع.

السبب الثالث، إن مجال التقييم الأساسي في مسابقات الرواية هو إبداعية النصوص، وتجلياتها الجمالية، في حين تقرن جوائز الشعر (في الإعلان عن الجائزة، وحيثيات الإعلان عن أسماء الفائزين) بشكل واضح بين الجانب الفني (الذي تضعه في المقام الثاني)، والجانب الموضوعي (الذي تضعه في المقام الأول)، وهذا الجانب الموضوعي يتمحور عادة حول الطرح الأخلاقي الفج المباشر، أو “الغرض الشعري”، بالمعنى المتوارث، كالتغني ببطولات الوطن، أو المديح النبوي، أو تمجيد الحاكم، وما نحو ذلك.

أسباب أخرى كثيرة، ربما تفوق الحصر، تجعل جوائز الرواية الكبرى في العالم العربي عملًا جادًّا على نحو ما، قابلًا للتطوير، بقدر قابليته للنقد، في حين يظل تأسيس جائزة عربية مرموقة للشعر المعاصر، حتى هذه اللحظة، حلمًا لا يسعه حتى الخيال. (الأهرام – بوابة الحضارات)

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى