نصري.. «بيروت ربما..» صور كمفكرة تحدث قبل الكلمات

فاتن حموري

ربّما… مسبوقاً بليالي أمرّ من أيامكم» وكأنّه عنوان كتاب وليس عنوان معرض يفتتحه نصري (الصايغ) الليلة عند السادسة مساء في صالة عرض المعهد الفرنسي، طريق الشام، بيروت، ويستمر إلى العاشر من تموز. المعرض محاولة لالتقاط مدينة بواسطة الصورة. «ليالي أمرّ من أيامكم» هو تحوير متعمّد لعنوان فيلمٍ للمخرج البولوني أندريه زولافسكي. يقول نصري: «ليالي زولافسكي أجمل بالتأكيد لياليَّ أيضاً هي أجمل، لكنّها، في لحظات، تبدو أمرّ. هذه المرارة التي تخنق الحلق، عنيدةٌ. ليالٍ بيروتية مصنوعة من ترحلاتي المتخيّلة، تشقّقات فجر سكرى بنشوة الصور، التي لا تزال هشّة. ليالٍ مرّة حيث تمتزج الكتابة فيها بالأثر الفوتوغرافي، وهي لعبة كلمات. في ذلك المكان حيث ربما وبتواضع محاولة لتثبيت ذاك الدوار الرامبوي (نسبة إلى الشاعر آرثر رامبو): «لقد حان دوري. هذه قصة إحدى نوبات جنوني».
يسكن نصري بيروت وبرلين وتسكنه بيروته في حلّه وترحاله يحيط نفسه بالشعر والموسيقى والصورة، يترصّد الكلمات والأصوات والعلاقة بينها. هو الآتي من عالم الأدب الفرنسي، الحائز شهادة من الجامعة اليسوعية وأخرى في الأدب المقارن من جامعة السوربون، كما درس التمثيل في معهد التمثيل في العاصمة الفرنسية وشارك في أفلام عدّة منها لكريستيان مرليو، جاد يوسف، روي سماحة، جوسلين صعب، وجورج هاشم، ومن الكلمة ذهب إلى خشبة المسرح وإلى عالم الصورة السينمائية، وأصبح ممثلاً سينمائياً. لا يعتبر نصري نفسه ممثلاً بل يرى في مشاركاته السينمائية أنّه جزء من الشاشة، يضيف في حديث خاص لـ «السفير» أنّه يعشق الصورة بكلّ بساطة، «أهمية وجود كلّ تفصيل في الصورة جعلني أذهب إليها وأعبرها أو تعبرني. السينما تجربة توضح حبّي للصورة المتحرّكة، وشغفي هو داخلها وخارجها». يُذكر أنّ نصري برتبة صحافي في عالم الكلمة إذ عمل رئيساً للنشرة في إذاعة الشرق في باريس، وهو حالياً كبير مراسلي مجلة «Elle»، كما أنّه فنان شغوف في المجال الموسيقي، كونه «دي جي»، يمزج وينطلق مع النوتات الموسيقية ويجمع أسمهان إلى دلفين سيريغ وغريس جونز، ويلاقي جان مورو مع ياسمين حمدان.
لست مصورا
يعتبر نصري أنّه ليس مصوّراً فوتوغرافياً، «وقعتُ في أحضان الصورة لأغرف منها عذراً بديلاً عن الكلمات، وحجّة أمام اللغة المكتوبة. صورة أشبه بمفكّرة. صور تحدّث قبل الكلمات». بدأ تدوين الصور في مفكّرته الذكية على شكل هاتف منذ سنتين، «مارست نوعاً من السرقة الجميلة من خلال هاتفي الذكي الذي أستعمله كمسوّدة للصورة منذ سنتين، والتقطت آلاف الصور. دخلتُ في علاقة غرام ممنوع مع برج المر بالتحديد الممنوع أن نصوّره بسبب وجود الجيش ولما يملك من خصوصية، له ماض وتاريخ. التقطت الصور من سيارتي من زوايا مختلفة ليلاً. كانت الصور لقاء وإحساساً لا غير، البرج ما زال حياً مع أنّه ميت. هو جزء أساس من الماضي الذي لم يتبرّج وهو حقيقة. لم تكن فكرة المعرض في بالي إلى أن دعاني المعهد الفرنسي لأعرض شغفي».
يضيف نصري أنّ صوره هي علاقة شخصية مع بيروت خارج إطار المدينة المعروفة، لذلك كانت «بيروت ربّما… ونصري ربّما»، بهدف عدم إثقال الأمور ومنحها أبعاداً مثقلة بمفاهيم عدّة أكرّر الـ «ربّما». الصور شعر وحرية مطلقة وموسيقى، «كوني تربّيت على شعر رامبو وأجده الأب والأم والأخت والأخ أدبياً وفكرياً وموسيقياً لذلك ضمّنته في مقدّمة تعريفي عن المعرض، الذي يضمّ 65 صورة مقسّمة إلى مواضيع منها المرارة إلى الموسيقى ثم إلى شاشة الليل وهناك صور لفيروز وصباح تحت اسم امرأة، «ليست صوراً تكريمية تمجيدية بل هي تقع في دائرة الـ»ربّما». حين يرى أحدهم صورة سيقول ربّما صباح وربما لا».
لا يعتبر نصري عرض صور مَن يحبّ في إطار العبادة، «ولا أجد أنني بحاجة إلى تمجيد مَن أحب، كما أنّني لا أحفر مَن أحبّ على حجارة الخلود. أجد رابطاً بين صباح ورامبو على سبيل المثال، الخلق دون حدود هو القاسم المشترك بينهما، هي الكلمة، الموسيقى، والإيقاع. أرى أنّ هناك «سيخاً» يدخل في كل الفنون، ومن هنا أرى العلاقة بين كلّ الفنون بطريقة قطرية وليست عمودية أو أفقية».
الروشة
التقط نصري مجموعة من الصور أيضاً لصخرة الروشة، لكنّه لعب بها، قصقصها وأعاد تشكيلها مدخلاً عليها مجموعة من الألوان، معلّلاً بالقول «هي ربّما الروشة، هي ربّما بيروت، لكنّها بالتأكيد بيروتي التي أعرضها بتواضع، وآمل أن يحظى كلّ شخص ببيروته»، ويختم الصايغ بالقول «الصورة والموسيقى والشعر هي أقانيم الملجأ الإنساني الحقيقي، ليتها تصبح الحياة لا الملجأ، ليتنا نصل إلى حياة يكون فيها القانون هو الشعر، والسياسة هي السياسة الشاعرية. ربّما من ربّما»

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى