«باب» البحرين مفتوح على جماليات التشكيل

فاروق يوسف

من قاعة في متحف فكتوريا والبرت إلى غاليري 8 (جانيت راضي) في «مي فير» -لندن انتقل المعرض الجماعي لفنانات وفنانين من البحرين الذي يُنظم في سياق مبادرة فن بحريني عابر للحدود. وهي مبادرة تحمل في ثناياها معنى الانتقال بالفن من دائرة ثقافة محلية إلى أفق ثقافي عالمي، هو الحاضنة الحقيقية لتجارب فناني الحداثة الفنية في الجزيرة الصغيرة التي تعد طليعية في مبادراتها لبناء مجتمع ممعن في معاصرته.
المعرض الذي غابت عنه أسماء مهمة، أذكر منها على سبيل المثل راشد آل خليفة ولبنى الأمين وعبدالرحيم شريف وعباس يوسف وجبار الغضبان وأنس الشيخ لم يكن ضعيفاً في تمثيله لجزء مهم من المحترف الفني البحريني. فمن خلال تجارب 17 فنانة وفناناً يمكننا تمييز تجارب أساسية في ذلك المحترف، وهي تجارب لا يشكل عرضها في هذا الحي اللندني المكتظ بالقاعات الفنية فقرة فائضة عن الحاجة في ظل ما يعانيه الفن العالمي الحديث من أزمات بنيوية تتعلق بمصيره بعد أن حسمت صالات فنية عدة موقفها لصالح تجارب الفنون المعاصرة المرتبطة بفكر ما بعد الحداثة.
لا يبدو المعرض البحريني غريباً عن الأجواء السائدة في الحي الفني. وكما يبدو فإن المشرفين عليه قد تحاشوا الوقوع في فخ التعويل على الفن الذي يغلب عليه طابع الفلكلور وهو ما جعله منسجماً مع ما يمكن أن يراه المرء في الصالات المجاورة. مواقع الإخفاق والنجاح التي كشف عنها النتاج الفني المعروض فيه موجودة بطريقة أكثر تناقضاً في معارض جماعية تشهدها لندن بين حين وآخر.
المعرض الذي حمل عنوان «باب» وهو كناية عن تجميع للحروف الأولى للكلمات التي يتألف منها اسم المبادرة باللغة الإنكليزية يكاد يكون نسوياً لولا مشاركة خمسة فنانين هم إبراهيم بو سعد، عمر الراشد، حامد البوسطة، جمال عبدالرحيم وغسان محسن. أما الفنانات فهن سمية عبد الغني، مريم فخرو، فايقة الحسن، نبيلة الخير، ميساء السويدي، بلقيس فخرو، طيبة فرج، غادة خنجي، أمينة الباسي، لوله آل خليفة، مروة آل خليفة. نوف الرفيعي.
وإذا ما كان الفنانون ينتمون نسبياً إلى الجيل نفسه، وهو الجيل الذي بدأ بعرض نتاجه الفني في ثمانينات القرن الماضي وهو ما يشهد له المستوى الرفيع الذي ظهرت من خلاله أعمال عدد منهم فإن الفنانات يمثلهن أجيال فنية مختلفة، وهو ما أوقع خللاً واضحاً في المستوى بين فنانة وأخرى. فبلقيس فخرو مثلاً التي عُرضت لوحاتها الثلاث في صدارة المعرض كانت مفاجئة من جهة تطور أسلوبها الفني. لقد اخترعت الفنانة التي تنتمي فنياً إلى جيل السبعينات أسلوباً تجريدياً غير مسبوق من جهة مزجها بين الهندسية الصارمة التي تظهر مثل أثر بعيد والتعبير الموسيقي المرح الذي تتلاشى من خلاله الخطوط. ظهرت بلقيس في أعلى ما تملك من مستوى تقني وفي أكثر حالاتها التأملية شفافية. في المقابل فقد كانت هناك تجارب لفنانات، لا ترقى إلى مستوى التجريب الفني الناجح، على رغم أن المحاولة نفسها تستحق أن يُلتفت إليها بسبب ما انطوت عليه من جرأة في استعمال المواد واستخراج أشكال مفاجئة، بعضها كان ناجحاً في إحداث نوع من المفارقة البصرية.
ولأن المعرض في عمومه كان تجريدياً فقد تميزت رسوم نبيلة الخير بتشخيصيتها التي تمزج اليومي بالأسطوري. وهو ما تدربت عليه الفنانة جيداً منذ بداياتها التي كانت عبارة عن دروس متواصلة للتمكن من حرفة الرسم، باعتبارها القاعدة الذكية التي تبني عليها تجاربها الشخصية التي ميزتها في وقت قياسي عن سواها من فنانات وفناني البحرين. معالجة الخير لموضوعاتها المستلهمة من حياة متخيلة هي أشبه بالحياة العادية المرتجلة التي تتسم بالكثير من الفطنة التي أهلتها لتصنع من الوقائع الخرافية مادة حياة.
«باب» وإن جاءت التسمية عن طريق المصادفة هو معرض يخرج منه المرء إلى شوارع لندن مسكوناً بخيال شرقي حر، لم تفتك به عاهة الفولكلور. وهو تجربة مسكونة بالكثير من الأمل الذي لا يزال الرسم ممسكاً به من أجل أن يكون الجمال ممكناً في عصرنا.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى