مسلسل «المغنّي»: «فيديو كليب طويل» لمحمّد منير

نور ابو فراج

لطالما تساءل محبو الفنان المصري محمد منير، كيف يعيش من غنّى «أنا قلبي مساكن شعبية» و «في عشق البنات» يومياته. لذلك تأهبوا منذ بدء الإعلان عن مسلسل «المغني»، الذي يروي قصة حياته، ليكونوا على موعدٍ يوميٍ معه خلال شهر رمضان. العمل من بطولة منير، وميساء مغربي، ورانيا فريد شوقي، وأيمن عزب، ومن إنتاج محمد فوزي وإخراج شريف صبري، ويُعرض حصريًا على قناة «الحياة».
يعالج مسلسل «المغني» تفاصيل حياة منير. نراه يتنقل متقلباً متعباً بين الحفلات والتدريبات المكثفة والمؤتمرات الصحافية. يعاني الأرق ليلاً ويحاول عبثاً إيجاد بعض السكينة في السفر إلى أسوان والرجوع بذكرياته إلى مكان ولادته المحبب، ليستعيد الأحداث والمنعطفات التي جعلت منه «مغنواتياً» بحسب التعبير المصريّ.
يصوّر العمل مناخ الكآبة المسيطر على منير ورغبته في العزوف عن الغناء عندما يشعر أنه لا يقدم جديدًا. يعالج المسلسل أيضاً هواجس الوقوع في دوامة الشهرة، وشعور منير بالمسؤولية الكبيرة تجاه محبيه. كما يضيء على المفارقات بين حياة الطبقة المترفة في مصر من فنانين ورجال أعمال ومنتجين، مقابل عذوبة العيش ونقاء الناس البسطاء في الصعيد.
ضمن شخصيات العمل نتعرف على «عُلا» سكرتيرة منير المخلصة، والصحافي الشاب «عمر القاضي» الذي تربى على ألحان المطرب المصري الشهير والممثلة نهال شكري صديقة منير. لكن مقابل «الأخيار»، هناك شخصيات «شريرة» مثل المنتج الجشع «عماد عصفور» الذي يسعى لاستعادة اسمه عبر التعاون مع قامة فنية كبيرة، ورجل الأعمال الفاسد «طارق بركات»، إلى جانب شخصية «أحمد» المهووس بانتحال شخصية «الكينغ» وتقليد حركاته ومشيته الشهيرة. مقابل كل هؤلاء يظهر منير كناسك مترفعٍ عن الصراعات والجشع والفساد الذي يحصل حوله.
من الناحية الفنية، يُظهر المسلسل ومنذ حلقاته الأولى ضعفاً واضحاً على صعيد السيناريو وأداء الممثلين. فالشخصيات إما خيرة أو شريرة، والحوارات مثقلة بالمواعظ والرسائل المباشرة التي يراد منها إيصال نظرة منير إلى الحياة. يعبّر منير في المسلسل عن موقفه مما يحصل في البلاد عبر أحاديث مبعثرة مع أصدقائه وأقربائه حول سرقة الآثار، وحب البلاد، وكيف أن الفوضى هي الثمن الطبيعي للثورة.
يقدّم العمل نفسه على أنّه «رحلة بحث» وتعمق في الذات، يستعيد «الكينغ» عبرها محطات مختلفة من حياته ويقرّع نفسه بطرح أسئلة من قبيل: «ماذا سيقدم لجمهوره هذه المرة؟! وهل بردت طاقته؟ هل قصّر فى دوره تجاه مصر؟».
هذا ويبدو العمل في بعض المواضع كـ «فيديو كليب طويل» صُنع على عجل، حتى أن القاهرة وأسوان تم تصويرهما بأسلوب «دعائي» وسياحي. هذا ما سبّب هجومًا على المسلسل عبر مواقع التواصل الاجتماعي بتهمة أنه يوظف «عيّنات فلكلورية» من رجال نوبيّين ونوبيات لتطعيم العمل بطابع شعبي مزّيف. ومن المنطلق ذاته نشرت صفحة «النوبة» على «فايسبوك» بياناً تهاجم فيه العمل لأنّه يقدم مغالطات تاريخية حول موقف النوبيين من تهجيرهم إثر بناء السد العالي، إلى جانب اتهامه بتشويه التراث وتحديداً الأزياء واللهجة الظاهرة في العمل.
جماهير منير المتمسكين بمشاهدة العمل، يطمعون بتلك اللحظات القليلة التي يظهر فيها على طبيعته بدون تكلف، فهم يتوقون لسماع بعض الأغنيات الجديدة مثل «لولا الحكومة» وأغنية «الليلة بايت عندنا». الأغنية التراثية التي أداها منير في الحلقة الرابعة على متن قاربٍ في النيل، نالت نسب مشاهدة مرتفعة على «يوتيوب»، وتقول بعض كلماتها: «الليلة بايت عندنا لازم لازم عندنا.. إن كنت خايف من جدو، جدو خرّف من سنة». نجاح الأغنية لا يؤكد نجاح العمل، بل على العكس، يثبت أن الجمهور ينتظر من منير أن يغني ببساطته وعفويته. فلماذا يتخلى اليوم عن شروطه الفنية، وهو الذي وقف في السابق أمام كاميرا المخرج يوسف شاهين في «حدوتة مصرية» و «المصير» مقدماً أداءً تمثيلياً متميزاً وأغاني مازال الناس يرددونها إلى الآن. حياة منير تجربة استثنائية، تستحقّ أن تقدّم بأفضل صورة ممكنة. فإذا كان من المحال تقديم سير ذاتية صادقة تصوّر حياة الفنانين بما فيها من تناقضات وصراعات وإخفاقات، ربما يكون من الأفضل حفظها حتى يتهيأ الظرف والوقت الملائمان، بدلاً من تحويلها إلى أعمال ضعيفة تؤله الفنانين.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى