سهير مقدادي تكتب اللوعة الفلسطينية

راسم المدهون

تكتب الشاعرة الفلسطينية سهير مقدادي بعيداً من أية رغبة في تجنيس قلقها واحتجازه في عنوان محدد قد تراه «ضيقاً» يحد من طلاقته، هي التي مارست كتابة القصة القصيرة والمقالة ولم تتوقف خلال ذلك عن «محطة» بوحها الأهم والأجمل في تلك «النصوص» التي لا نتردَد لحظة في تجنيسها كشعر تضيفه هذه المرَة في كتاب مستقل بعد منشوراتها السابقة.
سهير مقدادي في كتابها الجديد «خصلة شعري» (الأهلية – عمان، 2016) تقرأ مرارة العيش تحت الاحتلال وهي التي تقيم في رام الله وتنتسب لنخبتها الثقافية المسكونة بهاجس المزج بين عمومية الصراع مع الاحتلال واحتمالات آلامه من جهة وبين المشاعر الفردية، الشخصية والتي تتأسس في فلسطين اليوم على نحو مختلف.
منذ العنوان تختار مقدادي صوتاً خافتاً يجانب صخب اللغة الشعرية العامة وتنحاز الى فضاء مغاير أساسه الرؤية الروحية بما هي بوح فردي أنثوي بالعمق نراه هنا يحتفل بالحياة في صورها اليومية المثقلة بغبار غربة في الوطن وغربة في الروح عن زمنها الملفع بسواد المرحلة وبما فيها من قلق. ربما يصحُ لنا أن نطلق على «نصوص» سهير مقدادي صفة القلق، فهي نصوص تحمل الكثير من الهواجس والرغبات، ومن رغبة في التعبير بحرية عن الذات ككيان مستقل وله خصوصيته التي لا تنعزل عن المحيط بقدر ما تطمح لتحقيق فرادتها في ازدحامه: «أنا الأرض/شجرة التوت في اكتمالها/طهر التوبة فيك /وقد نهضتْ».
سهير مقدادي في تعبيرها عن مشاهد الحياة اليومية تحت حراب الاحتلال وطاغوت غول الاستيطان وجرائم المستوطنين تنتمي في الوقت ذاته الى مرحلة ثقافية تتحرَر من تابوات الشكل الشعري وما تفترضه من مضامين باتت اليوم تقليدية، وهي تؤسس انتماءها ذاك في سطور كتابة تنهل كثيراً من مراياها الداخلية، هي المرأة التي ترى بحدقة الأنثى هموم المواطنة والتي لا تبتعد إلا في زوايا النظر عن حدقة المواطنة في همها الأنثوي وفي إدراكها للخطوط الوهمية واللامرئية التي تجعل الصورة مشاهد يومية تشكل في اكتمالها حياة راهنة عنوانها الأبرز يذهب نحو حزن خاص، مختلف، ومسكون برؤى حميمة تشبه الواقع وإن بأسلوبها الخاص وطريقتها الخاصة.
ما يميز نصوص سهير مقدادي في كتابها الجديد «خصلة شعري» نراه يعلن في عنوان الكتاب عن العلاقة الأبدية بين «خصلة» شعر المبدعة المرأة، وبين حزن يتدفق بغزارة في نهر تراجيديا الفلسطينيين المتدفق منذ سبعين عاماً ونيف، والذي لا يزال يشكل صورة الروح الفلسطينية العامة، وصورها في فراداتها الشخصية ومنها بالذات صورة المرأة المبدعة التي تقلق فتكتب، وتكتب لتزداد قلقاً في واقع يطفح هو الآخر بقلقه العميق :»لست رغبتك الحيرى/ولا نزوتك العابرة/أنا خطيئتك الحبلى/بكل أشكال الحب/أنا الأرض/شجرة التوت في اكتمالها/طهر التوبة فيك/وقد نهضتْ/،،،أنا/الجسد المسجى منذ قرون/الروح حين كانت تسبى كل ليلة/الآن أنهض من نومي أو موتي سيان/أخلع كل الأكفان/أذبح العبد فيّ/أوزع لحمه على القبائل/وأنجو».
هي لغة تسترسل رسم مشاهدها بالأسود ولكن من دون السقوط في عماه وعدميته. الأسود في نصوص مقدادي لافتات حزن شغف الى حدود الافتتان بروح متمردة، ترى الضوء البعيد في عتمة تبدو وقد اكتملت وأخذت صورتها الأخيرة. لا شيء في نصوص «خصلة شعري» يبدو يقينياً ونهائياً فالشاعرة التي تجنبت اطلاق صفة الشعر على ما كتبته من نصوص، «تفضحها» تلك الكثافة العالية من جماليات الكتابة الشعرية كما ما فيها من مشهديات نراها مسبوكة في ثراء حميم ينتقل لنا بالقراءة.
صوت سهير مقدادي يطلق هتافات خافتة في برية الشعر والحياة ويحتفل بهما على نحو جميل.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى