«حياة صغيرة» رواية أميركية «شريرة» … تشغل القراء الهولنديين

لمياء المقدم

الكتب التي تتناول موضوع الاروسية تبيع جيداً. كلنا نعرف ذلك، ولكن من كان يتوقع أن تقريراً مفصلاً عن البيدوفيليا، والسادية، والجنس الجماعي والعنف، والاغتصاب يحظى باهتمام القارئ وتطبع منه مئات الآلاف من النسخ؟ قبل بضعة أسابيع ظهرت الترجمة الهولندية لرواية «حياة صغيرة» للكاتبة الأميركية هانيا يانيغيهارا، التي صدرت في آذار (مارس) الماضي في الولايات المتحدة وحققت نجاحاً وحصدت أكثر من جائزة، ووصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة مان بوكر.
الطبعة الهولندية تلقاها القارئ الهولندي بالحماسة نفسها، وعلى رغم كمّ المآسي التي تضمنتها الرواية حتى ليصعب تحملها، إلا ان الرواية باعت في أسابيع قليلة مئات الآلاف من النسخ، ويعاد الآن طبعها.
جنس وعنف واغتصاب ومخدرات وأمراض نادرة، وموت أطفال، ومحاولات انتحار فاشلة وناجحة، وشروع في القتل… هذه هي أجواء الرواية منذ أول صفحة الى أخر صفحة فيها (٥٠٠ ص). وعلى رغم كل هذه المحن والآلام، إلا أن الرواية في مجملها تتحدث عن الصداقة، والحب الحقيقي، والمواهب الفردية للبشر!
صحيفة «أن أر سي» واحدة من كبريات الصحف الهولندية، وصفت الرواية بأنها «لا تصادفك كل يوم، تحفر في روحك حتى تدميها»، وعلى حسابه على تويتر كتب أوكه هولست، الصحافي في جريدة «أن أر سي» نفسها: «منذ سنوات طويلة لم يحدث أن أبكتني رواية كما فعلت «حياة قصيرة».
صحيفة تراو الهولندية كتبت واصفة الرواية: «عميقة، مذهلة، أسلوبها ساحر، تسحبك شيئاً فشيئاً إلى عالمها السفلي، لتتركك في النهاية وقد ارتسمت على حدقة عينيك صور خالدة للخير والشر». ومنحت الصحيفة الكتاب ٥ نجوم كاملة. أما صحيفة الشعب فكتبت: «رواية جميلة، وطموحة».
كتاب يغير حياتك
على رغم كل ما قيل وكتب عن الرواية الجديدة لكاتبتها الأميركية الطموحة هانيا يانيغيهارا، (١٩٧٥)، التي قضت ٢٠ عاماً كاملة في تأليف روايتها الأولى «رسائل من الكهف»، تساءل بعضهم: ماذا في هذه الرواية ليصبح التغاضي عنها جريمة؟.
الإجابة جاءت من الناشرة الهولندية للرواية سوزانا فان لوين التي قالت إنها حاولت كثيراً تفادي نشر هذا الرواية لما فيها من آثام وآلام، فلا يقوى الإنسان العادي على تحملها، لكن ما شجعها على ترجمتها ونشرها في النهاية هو قدرتها العجيبة على مسح كل ذلك، مقابل اصرارها على قيم وثوابت عالية مثل الصداقة والتسامح والحب. وفي مقابلة تلفزيونية معها قالت الناشرة: «هذا الكتاب سيغير حياة من يقرأه. تأكدوا من ذلك».
سميت الرواية برواية الأخطار، وعلى رغم أن الأدب عموماً هو تجربة خطرة بالضرورة يخوضها الكاتب مع نفسه ومع اللغة، الا أن رواية «حياة صغيرة» تبقى الأكثر قدرة على دخول حقول ملغومة كان يمكن أن تقتل القارئ قبل بلوغ نهايتها. الناقد الهولندي كريس فن لومبن كتب معلقاً على الرواية أنه كثيراً ما فكر في التوقف عن اتمامها بعد مشهد من المشاهد المريعة فيها، «إلا أن الكاتبة الشابة كانت تعرف دائماً كيف تنهي هذا الموقف لمصلحتها، وتسحب القارئ مجدداً نحو بقية الأحداث».
الأدب الجيد يؤلم، هذا ما يعتقده الصحافي أوكه هولست الذي كتب أنه لم يقرأ كتاباً بمثل هذه القدرة على الإيلام منذ رواية «الطريق» لماك آرثي. تعمدت كاتبة الرواية ألا ترحم القارئ، فلا تمنحه نهاية سعيدة مقابل أن ينسى الألآم ويعود الى حياة طبيعية، أو لتدعم لديه فكرة أن الخير ينتصر دائماً. ياناغيهارا تقول في هذه الرواية أن الشر ينتصر أيضاً، بل وفي أحيان كثيرة، أن الأرواح المنكسرة لا تصنع أبطالاً في الغالب، وأن الأمل بالنسبة إلى الكثيرين لا يعني أكثر من القدرة على النهوض صباحاً من أجل يوم جديد.
اختيرت الرواية كأفضل كتاب للشهر في برنامج «العالم يستمر في الدوران» وهو واحد من أشهر البرامج المنوعة اليومية في التلفزيون الهولندي.
هل كنا في حاجة الى مثل هذه النوع من الروايات التي لا ترحم القارئ أو تعفيه من مشقة الدخول في عوالم كان يخشاها؟ يبدو الأمر كذلك، فالإقبال الذي حظيت به دليل على أن القارئ قادر على ترك نفسه للأدب يأخذه اينما يريد، ومهما كانت صعوبة الرحلة وأخطارها عليه جسيمة، وهو على عكس ما يشاع في السنوات الأخيرة داخل الأوساط الأدبية الأوروبية والغربية عموماً، من أن الكاتب يكتب وفق ذائقة قارئه الذي أصبح يعرفه جيداً ويعرف احتياجاته. لقد أعادت هذه الرواية الى الأدب سطوته وقدرته على تغيير حياتنا، وحبذا لو نرى ترجمتها العربية قريباً.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى