هُمام السيد.. إنسان وحيد ومحوَر

محمد شرف

أول ما قد يجذب الانتباه لدى معاينة أعمال همام السيد، المعروضة لدى غاليري «أجيال للفنون التشكيلية»، هو ذاك الحجم غير المألوف للقامة الإنسانية في اللوحة، أو اللوحات. المسألة، أو ربما الملاحظة، هي، في طبيعة الحال، نتيجة انعكاس مباشر لرؤية شكلية، وإذا كان الحكم على العمل الفني يبدأ عادة بمؤثرات الانعكاس الأولي المباشر، لكن النتيجة النهائية لا تتوافق مع هذا الانعكاس إلاً في أحيان قليلة، وذلك حين يكون العمل المذكور لصيقاً بالفن الكلاسيكي الذي يتطلب أدوات معرفية محددة ومتفقا عليها منذ زمن طويل، لكن ما يصنعه همام السيد لا يدخل ضمن إطار التقاليد المذكورة، فالهدف التعبيري في الأعمال واضح من دون شك، علماً أن التعبير قائم في الأعمال الفنية كافة، كما نعلم، ولو بأشكال ومداخل شديدة الاختلاف. بيد أن ما يلفت الناظر هو الفضاء التشكيلي الحاصل في ما نراه، المستقل عن المنظور المتبع في الطريقة العقلانية الواعية، لكونه يطمح إلى رؤية تعكس مفهوماً مختلفاً للعالم والمحيط، ضمن استقلالية تفرضها الحرية في اختيار الأشكال الملائمة ووسائل التعبير. على أن هذه الاستقلالية، لدى همام السيد، لا تعني بالضرورة أن العملية التشكيلية تتم خاج نطاق الحقيقة الحية، أو على مسافة بعيدة منها، ومن دون أن ترتبط بواقع اجتماعي معين. هذا الواقع، في الحالة الحاضرة، سوري، وذو علاقة بما يحدث في البلد المجاور لبلدنا الذي ينتمي إليه الفنان، ولو أن لوحة الفنان لا تصوّر بالضرورة حالات واقعية ملموسة، كما لا تتطرّق إلى الأزمة الخانقة المستمرة منذ سنوات عدّة إلاّ عبر حركات مرمّزة، على ما يمكن أن يحمله الرمز من تأويلات لا يتشارك جميع الأفراد في تحديد معالمها.
يسقط «إنسان» همام السيد من السماء فوق مدينة حوّل الدمار عماراتها أشكالاً خربة متمايلة، وكأن ريحاً تعصف بها وتعصف، في الوقت نفسه، بالإنسان الذي يهوي وعلى وجهه علامات دهشة تمتزج بشعور خوف، وربما بأنواع أخرى من الشعور تشي بها حركة العينين المفتوحتين على المدى الأقصى، والفم المفتوح بدوره في دلالة على صراخ أو إشارة أخرى تتناسب مع حركة الجسد الذي تفلّتت أعضاؤه في اتجاهات مختلفة. ثمة علاقة مأساوية تربط الأرض بالسماء في حالة سوري ، إذ ليس كل ما يسقط من السماء مطرا، أو ما يمكن أن تنثره الريح من مخلّفات الإنسان والطبيعة. وإنسان الفنان، كما لاحظنا، وحيد أبداً في وقفته أمام الناظر، ومحوّر في ارتقاءاته التشكيلية بما يتعارض كلّياً مع النسب المعروفة، كما ذكرنا آنفاً، وكأنه يستعرض حالات وجودية يبدو بعضها طبيعياً، في حين أن مدلولاتها تذهب إلى البعيد، لما فيها من ملامح إسقاط للحالة الفردية على الطبيعة والإنسان.
أما الإنسان، صاحب النظرة المتوسّلة، الذي سمّاه الفنان «نوح»، فيتكوّر في قارب على أرض صخرية، وكأنه في حالة انتظار معجزة ما قد تحمله إلى عالم آخر، بعيداً من الطريق المسدود. وشخصيات الفنان الأخرى، على قيامها بحركات تبدو للوهلة الأولى مشتقة من أفعال عادية، يبدو معظمها في حالة سكون وجمود، كما لا تغيب الطرافة عن تصرفات بعضها، وكأن همام السيد يسعى من خلال ذلك إلى إضفاء بعض من السخرية على ما يحفل به المجتمع الحاضر من تناقضات ومن مظاهر العبث، وهو «عبث يؤتي ثماره على هذا المشرق التعيس، كرحلة لا تنتهي من تكرار الهرب إلى المجهول»، كما يقول.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى