المعتقلات والسجنون في السينما الجزائرية…جدران تحكي

خاص  (الجسرة)

 

 

*عبد الكريم قادري

 
الثورة التحريرية (1954-1962) قدر السينما الجزائرية المحتوم، بعد أن استحوذت على حوالي 30 بالمئة من الإنتاج الإجمالي لها، حيث تم التطرق لهذه “الثيمة” من زوايا وأبعادا مختلفة، لعكس جزء من المعاناة التي مر بها الشعب، في ظل التقتيل والتشريد والظلم والاضطهاد الذي قام به المستعمر الفرنسي، لا لشيء سوى لأنه سمع كلمة “لا” تخرج من أفواه هؤلاء، الذين صعدوا الجبال وفي يدهم منجل أو ساطور، وفي أكثر الأحيان بندقية صيد، للوقوف في وجه آلة الدمار والموت، لتنعم الأجيال بالحرية التي سلبت منهم ومن آبائهم وأجدادهم سنة 1932.
نقلت السينما الثورية مواقف وجراح أولائك وهؤلاء، أين صورت ساحة المعركة كما في فيلم “معركة الجزائر” لجيلو بونتيكرفو 1966، و”العفيون والعصا” لأحمد راشدي 1970، و”دورية نحو الشرق” لعمار العسكري 1972. وصورت شرارة ما قبل اندلاع الثورة، مثل ” الليل يخاف من الشمس” لمصطفى بديع 1965، والخارجون عن القانون” لتوفيق فارس 1969، و”العرق الأسود” لسيد علي مازيف 1971، و”وقائع سنوات الجمر” لمحمد لخضر حمينة 1974، و”جبل باية” لعز الدين مدور 1997، و”خارج عن القانون” لرشيد بوشارب 2010. وصورت مخلفات الثورة وانعكاساتها كما في أفلام، “سلم ما أصغره” لجاك شاربي 1964، وهو أول فيلم روائي طويل في الجزائر، و”الفحام” لمحمد بوعماري 1972، و”يوسف أو أسطورة النائمون السبعة” لمحمد شويخ 1992، و”رحلة إلى الجزائر” لعبد الكريم بهلول 2008، وغيرها من الأفلام الأخرى التي تتقاطع في المواضيع المذكورة.
كما صورت السينما الثورية ونقلت آهات الجزائريين في المعتقلات والسجون الفرنسية، وهذا في العديد من أفلامها، أين تم تصويرها كمواضيع محورية أو في سياق طرح ما، ومن بين أهم الأفلام التي نقلت أجواء وتفاصيل معتقلات الجيش الفرنسي، فيلم “الطريق” لمحمد سليم رياض 1968، وقد أنتجه المركز الوطني للتجارة والصناعة السينماتوغرافية، الذي كان يديره ويشرف عليه المخرج أحمد راشدي، وقد قام بتصوير العمل رشيد مرابطين أحد أعضاء خلية الصورة أثناء الثورة التحريرية، كما تم الاستعانة بالموسيقي “فرنيسي لومارك” وهو الأجنبي الوحيد في الفيلم، وطبعا لعب أدوار البطولة كل من علال المحب، مصطفى شقراني، سيد أحمد أقومي.
نقل الفيلم السنوات الأربعة الأخيرة للثورة الجزائرية، وهي نفس الفترة التي تم من خلالها اعتقال المخرج محمد سليم رياض في أحد المعتقلات الفرنسية، أين عاد ونقل تلك السنوات الذي قضاها سجينا، كصور حية في هذا الفيلم، وقد سبق وأن صرح بأنه عندما استقلت الجزائر أخذ عهدا عن نفسه بأن ينقل معانات المساجين في هذه المعتقلات، بالاضافة الى الإخراج قام رياض أيضا بكتابة نص السيناريو، وفعلا بعد ست سنوات من الاستقلال وفّى بهذا العهد، حيث نقل المخرج محاولة الجيش الفرنسي عزل الثورة عن الشعب، من خلال بناء المئات من المعتقلات لتركيع الشعب ووأد الثورة، لكنه عبثا يحاول، لأن جذوة الثورة لا تنطفئ إلا بتحقيق الغاية، وقد نجح الفيلم في تفسير هذه المعادلة، بعد أن نقل الأجواء العامة التي كان يعيش من خلالها المساجين، داخل هذه المعتقلات، من خلال علاقتهم الاجتماعية مع بعضهم، ووعيهم السياسي الكبير بما يدور من حولهم، عدم استكانتهم وانتظار مصيرهم، بل يقومون بعديد النشاطات، كتقديم دروس محو الأمية، تمثيل مسرحيات، وآداء أغاني تراثية جزائرية خالصة، لتقوية روابط الهوية، بالإضافة إلى خلق تنظيمات سياسية داخلها، للاتصال بالخارج وبعث رسائل مساندة للثورة، وتجنيد بعض من يخرج كي ينظم لصفوفها، بالإضافة إلى كل هذا تسجيل العديد من محاولات الهرب، ناهيك عن قيام نزلاء بالمعتقلات الموجودة بفرنسا بإضراب عام عن الطعام، وهذا ما أدخل الإدارة الفرنسية في حرج كبير، وجعلها تحاول عبثا انهاء هذا الإضراب، إلى أن قامت بعزل المساجين وتحويلهم إلى الجزائر، من أجل وضعهم تحت إدارة “المظليين”، وقد نال الفيلم رضي النقاد أثناء طرحه، حتى أنه تحصل على جائزة سينما الشباب بالمهرجان الدولي للفيلم لطاشقفند سنة 1968، بالاتحاد السوفياتي سابقا.
فيلم آخر نقل أجواء المعتقلات ومآسيها، لكن من الخارج، وهو فيلم “ريح الأوراس” لمحمد لخضر حمينة 1966، وقد كان إنتاج هذا الفيلم مشتركا، بين المركز الوطني للسينما والمركز الوطني للسينما والصناعة السينماتوغرافية، وهو أول فيلم روائي طويل للمخرج، ومن خلاله عرّف العالم بموهبته الإخراجية، خصوصا وأن الفيلم دخل المسابقة الرسمية في مهرجان “كان”السينمائي سنة 1967، وخرج منه بجائزة العمل الأول، بعد أن قارب على حصد جائزة السعفة الذهبية، غير أن المخرج السينغالي “صمبان عصمان” رفض أن يعطيه هذا الصوت، لأسباب يجهلها حمينة حسب تصريحه، نقل الفيلم وبطريقة شاعرية جدا معاناة المرأة الجزائرية الريفية، وما تكبدته إبان الثورة التحريرية، حيث نجد الأم (أدى الدور كلثوم) ترحل من معتقل لآخر في عملية بحث يائس عن ابنها (محمد شويخ في أول ظهور له)، من معتقل لآخر، وفي ظل هذه الأجواء نرى قسوة تلك المعتقلات التي تحيط بها الأسلاك الشائكة المكهربة من كل جهة، وبعد جهود كبيرة من البحث، عثرت أخير تلك الأم على ابنها في أحد المعتقلات، حيث بدأت في زيارة يومية له، تراه من خلف السياج المكهرب، إلى أن أتى اليوم الذي لم تجده فيه، بعد أن تم ترحيله لمعتقلات أخرى، وعليه حزنت الأم على ابنها ووضع يدها على السياج المكهرب، أين لفظت أنفاسها عليه.
كما أن هناك فيلم جماعي بعنوان “حوادث متنوعة” 1982 مقتبس من مجموعة قصصية للصحفية والكاتبة زهور زراري، وهم عمل متكون من 4 أفلام قصيرة، “يوم الزيارة” لبدر الدين بوتمان، و”المهدهدة” لدحمان أوزيد، و” المتهم” لمصطفى منقوشي، والأخير بعنوان “الملعونة” للهادي قلال، وتتشارك الأفلام القصيرة كونها تتحدث عن السجون والمعتقلات وأجوائها، ما عدا القصة الأخيرة التي تنقل وحشية الاغتصاب، وهو أحد أهم الموضوعات التي لم تتطرق له السينما الجزائرية بشكل محوري.
أما الأفلام التي صورت السجون بشكل جانبي أو جزئي، فهي كثيرة أيضا، وهذا ما نراه مثلا في فيلم “معركة الجزائر”، و”تحيا يا ديدو” لمحمد زينات 1971 ، وفي الفيلم الكوميدي “حسان طيرو” لحمينة 1968، وهذا ما نلحظه أيضا في أفلام حمينة الأخرى، “ديسمبر” 1971، و “غروب الظلال” 2014، كما أن هناك فيلم حديث صور السجن بطريقة سطحية، رغم أهمية الموضوع، وقدرته على أن يتحول لملحمة، خصوصا حجم الدراما الذي فيه، وهو الفيلم الذي تناول الشخصية التاريخية الكبيرة أحمد زبانه، الذي يُعد أول من تم إعدامه عن طريق المقصلة، وقد حمل الفيلم نفس العنوان “أحمد زبانه” للمخرج سعيد ولد خليفة 2012.

*سكرتير تحرير مجلة السينمائي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى