تماثيل رموز الجزائر تثير جدلاً …مطابقة غير مطابقة !

فتحية زماموش

تخلّد تماثيل كثيرة منتشرة في أنحاء الجزائر، أسماء تاريخية وثقافية رسمت ملامح البلاد. تاريخ البعض منها يبقى في خانة المجهول، وقليل من تلك الأسماء يظل مرجعاً للمواطن الجزائري، مثل رواد الحركة الوطنية وعلماء وثوريين وشهداء ضحوا من أجل الوطن، تاريخهم هو ما «نحتهم».
بيد أن بعض هذه التماثيل القديمة يثير اليوم في الجزائر جدلاً واسعاً وشكوكاً وانتقادات لمدى تجسيدها شخصيات الذين تحمل أسماءهم. ويرى خبراء في التاريخ أن بعضها لا يمت بصلة إلى أصحابها الحقيقيين، الأمر الذي أحدث سخطاً في الشارع ظهر جلياً عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وأحدث عدم التطابق الذي يُحكى عنه لغطاً كبيراً حول حقيقة هويات أصحاب هذه التماثيل وتاريخها.
من تمثال إلى آخر، تعددت الأشكال المنحوتة والمنقوشة وطريقة الجلوس أو الوقوف وحتى نظرة العينين. ويقول النحات جمال الدين بن صاري لـ «الحياة»: «الصورة لا تعكس صورة صاحبها في غالبية الأحيان، ودوماً تشكك في حقيقته». وهو ما أثير أخيراً حول تمثال الراحل الشيخ العلامة عبدالحميد بن باديس رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، الذي أزيح الستار عنه في مسقط رأسه تزامناً مع احتفالات مدينة قسطنطينة بإعلانها «عاصمة الثقافة العربية». لكن بن صاري يأسف لأن هذا التمثال الذي أنجز في البرتغال كان صدمة لعائلة الشيخ بن باديس وللجزائريين، عقب شكوك حامت حول عدم تطابقه مع شخصية بن باديس الحقيقية، وهنا فتحت «هذه السقطة الفنية» باب التساؤلات حول الشكل المجسد وصورة بن باديس الحقيقية. وفي النهاية أزالت مديرية الثقافة التمثال من وسط المدينة.
الأمر ذاته تكرر في مناطق أخرى من الجزائر. وباتت كل التماثيل التي تخلد الشخصيات وشهداء الثورة محط انتقادات، ووصلت الشكوك إلى تمثال مؤسس الدولة الأمير عبدالقادر الجزائري في قلب العاصمة، وتماثيل الشهيد مصطفى بن بولعيد والشهيد عبدالحفيظ بوالصوف في ولاية ميلة، والشهيدة حسيبة بن بوعلي في ولاية الشلف غرب العاصمة.
ولم يسلم من النقد تمثال الحمال الجزائري المقام أمام مقر ميناء الجزائر الذي يجسد تاريخ المجزرة التي راح ضحيتها عمال ميناء الجزائر في فترة الاستعمار الفرنسي.
كثيرون لا يعرفون تفاصيل وجود هذه التماثيل وأصحابها وما قدموا للبلاد، لكنها تبقى تحمل صفحات من تاريخ الجزائر، كما يقول أستاذ التاريخ عمار حاجي، مضيفاً أن الجزائري صار ينام ويستيقظ ليجد تمثالاً يخلد رجلاً أو شخصية هنا وهناك، خصوصاً لمن صنعوا التاريخ، لكن هذه التماثيل تحمل علامات استفهام كبيرة لدى أجيال الشباب.
وعلاوة على عدم تطابق التماثيل مع الصورة الحقيقية لأصحابها، فإن المثير في الأمر أيضاً جهل الجزائريين، خصوصاً الشباب للتماثيل داخل مدنهم وحقيقتها ومن هو الفنان الذي نحتها، وهو ما يثير تساؤلات أيضاً حول التاريخ والذاكرة. ويتساءل كثيرون عن ثلاثة تماثيل يضمها أكبر معلم تاريخي في الجزائر هو «مقام الشهيد» الذي يجسد ثلاثة أنواع من المقاومين الجزائريين خلال فترة الاستعمار الفرنسي الذي طال 130 سنة. فالأول يرمز إلى المقاومة الشعبية من خلال اللباس التقليدي الذي يرتديه، والثاني يرمز إلى المجاهد الذي يحمل بندقية إبان «ثورة نوفمبر 1954»، والثالث يرمز إلى الجندي الذي يحمل مشعل الحرية، ليظل الجزائري يبحث عن أشخاص كتبوا بالأمس صفحات من تاريخ البلاد.

 

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى