محمد زاهر يصوغ فوتوغرافياً «أوراق الورد» في حروف

سامر سليمان

في معرضه السادس عشر، لم يبتعد الفنان محمد زاهر عن إعادة صوغ العلامات البصرية المحددة للتكوين التشكيلي لحروف وكلمات وآيات من القرآن الكريم عبر الفوتوغرافيا، والتي دائماً ما يتخذها وسيلة يَعبُر من خلالها لاستكشاف بلاغة المعنى وعمق الدلالة ورسوخ البنيان التشكيلي. وأقيم المعرض بالتعاون مع إدارة المعارض والمقتنيات في مكتبة الإسكندرية وافتتحه رئيس جامعة الإسكندرية رشدي زهران تحت عنوان «أوراق الورد».
يتعرض زاهر في لوحاته العشرين لجماليات الخط العربي، مكرساً العديد من الظواهر البصرية- التي تحتكم للحرف كنسق ووحدة تكوين- يطوعها عبر التقنيات الرقمية الحديثة. «فالتكوينات الفنية في اللوحة ما هي إلا أشكال استاطيقية وشواهد لها مدلولات، فما يتبدى في الكائن الحي امتداد لموجودات الطبيعة»، وفق ما يقول زاهر.
ويوضح زاهر: «أحاول الدخول إلى عمق المعنى عبر موضوع الطبيعة، من خلال الابتعاد عنه قليلاً وإبراز تفاصيله العامة، أو الاقتراب في بعض الأحيان للتركيز على جوهره، وجذبتني الورود بمختلف أنواعها وألوانها وتكويناتها وعلاقاتها منفردة أو في جماعات، حيث تتعانق الخطوط الهندسية الحادة والعضوية المحددة لبتلات الورود مع امتدادات وانحناءات حروف الخط العربي في تكوينات فنية».
ويضيف: «اللوحة المبدعة لا تنتج غير القيم الجميلة، فهي تلك العلاقة التي تقام بموازين دقيقة بين الحواس والمفاهيم»، لافتاً الى أن «الرسم بالتقنيات القديمة كالقلم والريشة لا يقدم للمبدع وخياله الجامح خيارات كافية، بينما التكنولوجيا تكفل له آلاف الخيارات الإبداعية والأحاسيس المختلفة والابتكارات اللامحدودة على الصعد كافة».
ويسعى زاهر لاكتشاف قوى الإبداع في جوهر الموروث العربي اللغوي وتطويعه لصناعة نسق إبداعي يمتزج فيه الروحي بالهندسي والعشق الفني. ويقول: «بعد تمكن الفنان من إمكاناته والتكنولوجيا، لا بد من الحفاظ على هويته الشخصية وثقافته لإغناء الموروث المعرفي والذاتي».
وعن جمالية الخط العربي كعنصر تشكيلي ثري، يشير الى أن «الخط العربي يُبنى وفق أشكال حروفية متنوعة، تتخذ من الرسم والخط مادة أساسية لبناء علامات بصرية ودلالات فكرية، فتتبدى تشكيلاته التصويرية، كمعنى له وجود واقعي. وما أفعله هو محاولة لكشف هذه الدلالات عبر تقنيات الضوء والظل».
ويوضح: «نظراً الى غنى الخط العربي وتفوقه بأبعاده الرمزية والإيحائية الكثيرة والمتنوعة، فقد استطاع أن يفرض وجوده في مجال التشكيل، وهو ما جذبني كثيراً ليكون هو أساس البناء والأيقونة المتكررة والعامل المشترك في أعمالي التشكيلية».
اللافت في المعرض تعمد زاهر استخدام الورود المصرية التي تتم زراعتها محلياً مثل الورد البلدي والبنفسج والنرجس والكاميليا والقرنفل وست الحسن وغيرها، حيث استطاع العزف بمهارة على سجالات الأطياف اللونية، فظهرت مجموعاته شديدة التوازن يتحاور فيها الخيال مع الطبيعة عبر بناء تشكيلي متقن لحروف وكلمات وآيات من القرآن الكريم، فاستلهم الخط من عناصر الطبيعة كل الغايات الإبداعية لتتجلى في حركاته وسكناته وكتله وتركيباته واسترسالاته وتدويراته وإيقاعاته وتبادلاته وميلانه، واستقاماته وانبساطه، وتقويساته ونسبه… أشكال الورود والبتلات والسيقان والأشواك دلالية خاصة تساهم في تعميق صيغ الجمال.
من اللوحات التي جذبت انتباه كثيرين لوحة استخدم فيه آيات من سورة الرحمن «فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ» والتي كرّر فيها «وَرْدَةً كَالدِّهَانِ» بطريقة جمالية فريدة كونت البناء الخارجي لوردة بلدية مقفلة تتساقط منها قطرات الندى.
وفي لوحة عباد الشمس (دوار الشمس) استخدم آية «ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ» من سورة النحل.
واستضاف المعرض عدداً من أعمال الفنان محمود جمال – أستاذ الخط العربي، في إطار تبيان كيفية التمازج بين الخط اليدوي الحر والتقنيات الرقمية الحديثة.
يذكر أن الدكتور محمد زاهر، أستاذ الهندسة المعمارية في كلية الهندسة في جامعة الإسكندرية، صمم وأشرف على تنفيذ العديد من الأعمال المعمارية والتصميمات الداخلية في الإسكندرية والقاهرة وجدة والرياض والمدينة المنورة.
كما نظّم العديد من المعارض الفنية لاستعراض فنون التصوير الضوئي والتكوين الفني للملصقات وكيفية توظيف الفن في ترجمة آيات من القرآن الكريم وفنون الاستخدام الحر للخطوط العربية الإسلامية وصوغها في تراكيب ذات معانٍ متعددة ومتنوعة.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى