‘أن تحبك جيهان’ في ليلة رمضانية

مرفت واصف

في أمسية حافلة من الأمسيات الرمضانية التى يُقيمها المجلس الأعلى للثقافة نوقشت رواية “أن تحبك جيهان” للكاتب مكاوي سعيد, شارك فيها كوكبة من المبدعين والنقاد.

وقالت د. أمل الصبان الأمين العام للمجلس: إننا نحتفل ونحتفي بمناقشة رواية متميزة وهي “أن تحبك جيهان” للكاتب المتميز مكاوي سعيد والتي تدور أحداثها في أجواء ما يحدث بالوطن في سنواته الأخيرة من خلال أبطالها النابضين بالحياة, وأيضا من خلال البحث بداخل العوالم المختلفة الثرية في عالم المرأة المصرية متمثلاً في شخصيتي “جيهان العرابي” و”ريم مطر” اللتين يتشكل منهما عالم الرواية باعتبارهما مثالين لتقلبات واختلاف النفس الإنسانية, ونافذتين كاشفتين لأحوال مجتمعهما, وتشابكاتهما مع آخرين بالمحيط الذي تعيشان فيه, وهما امرأتان من طبقة متوسطة تهرأت خلال العقود الماضية, وانفرطت معها نُظم كانت تُنتظم, عاداتهما وتقاليدهما, وأكثر ما تأثر بالسلب الاتجاهات السياسية التي كانت تشغل أغلبية الطبقة المتوسطة, فبدا المجتمع من خلالهما مفككاً لا تربطه أي قضايا مشتركة, فكل شخص يبحث عن خلاصه الفردي.

واضافت أن مكاوي سعيد كاتب وروائي بدأ رحلته مع كتابة الشعر في أثناء دراسته الجامعية ثم اتجه الى الكتابة القصصية والروائية, وأصدر مجموعته الأولى “الركض وراء الضوء” عام 1982, ثم توالت أعماله الإبداعية في القصة والرواية وأدب الطفل, ومن أشهر رواياته التي وصلت لجائزة البوكر 2007 “تغريدة البجعة”, وكتاب “مقتنيات وسط البلد” و” كراسة التحرير”, ومجموعته القصصية “البهجة تحزم حقائبها” الحائزة على جائزة ساويرس في القصة القصيرة للكبار عام 2015, وقد حصل على جوائز وتكريمات أخرى في مصر والبلاد العربية, كما ترجمت مجموعة من أعماله الى اللغات الإنجليزية والألمانية والفرنسية.

تتناول الرواية شخصيات جيهان وريم وأحمد الضوي بطل الرواية الرئيسي المهندس المقاول المطحون بين عوالهما وعالمه الخاص الفقير في أحداثه, نشأ في حي عابدين, فهو مهندس إنشائي, انهار بعد زلزال 1992 لان المباني الحديثة تصدعت وكشفت عن خراب الذمم وقد توزع أو تمزق عاطفياً بين امرأتين “جيهان عرابي وريم مطر”.

يتجنب أحمد الضوي السياسة, ولكنه اتصل بالثقافة عبر خاله “حسام” المناضل وشاعر العامية الذي مات في سن مبكرة, وتشاء الظروف أن يحل “شريف” – مناضل ومثقف تعرض للأعتقال أكثر من مرة – محل خاله حسام في الشقة الملاصقة وفي المكانة الأدبية عند الضوي, وصديقه “عماد” ضابط الشرطة الشرس الذي لا يتورع عن فعل أي شيء, لكنه بقي صديقاً مخلصاً لأحمد.

بدأت الأمسية بكلمة د. أحمد درويش والتي اثنى فيها على النشاط الرمضاني الكبير الذي يقيمه المجلس الأعلى للثقافة هذا العام.

وعن مكاوي سعيد المبدع قال درويش إنه شاعر ضل طريقه إلي الرواية, مشيراً إلى أن مكاوي بدأ حياته الإبداعية ناظما للشعر بل وحصل على جوائز عديدة في مسابقات الشعر التي كانت تقيمها جامعته بل ولقب بشاعر الجامعة. واستطاع مكاوي ببراعة أن يجذب مفرداته الشعرية إلى ميدان الرواية.

وأضاف درويش أن سعيد استطاع أيضا الجمع بين البنية التراكمية والبنية العادية في كتابته للرواية.

وعن قيمة مكاوي الإبداعية تحدث الناقد ربيع مفتاح واصفا مكاوي بأنه حجز لنفسه مقعدا في حافلة المبدعين الكبار تلك المكانة التي وصل إليها بشق الأنفس، كما وصف مفتاح الرواية بأنه يعتبرها “رواية معرفة”, فرواية “أن تحبك جيهان” طويلة تبدأ بتساؤل مهم ماذا لو أحبتك جيهان, ولماذا جيهان بالتحديد, كما أن التصدير دعاء لأبي حامد الغزالى يقول “الله ما أفضحنا ولا تسترنا حتى يتبين لنا الخبيث من الطيب”.

إذن هي دعوة للكشف ومعرفة الحقيقة وعدم إخفاء المستور، ومن ثم نحن أمام رواية معرفة, معرفة عالم الواقع والعالم الافتراضي وتداخل الخبرات مع المعلومات والأحداث, وكأننا أمام بانوراما معرفية للأرض والبشر والبلاد والعباد, مع طرح كثير من القيم الإنسانية ومحاولة اختبارها مرة أخرى في ضوء العصر، وفي ظل ما يجرى من أحداث, فالرواية عبارة عن ثلاثية سردية رائعة, كل منها لها إيقاعها الخاص, لكن لا يكتمل الإيقاع إلا للالتحام الكامل بينها “أحمد الضوى وريم مطر وجيهان العرابى”، وكل سردية هي مزيج من عوامل متداخلة ثم تتقاطع مع بعضها البعض, فالسرديات الثلاث أحمد الضوى أخذ من الرواية 27 وحدة سردية, وجيهان أخذت 23 وحدة سردية, وريم مطر أخذت 9 وحدات سردية.

سردية ريم مطر تضم عوالم متداخلة فهي مشروع فنانة مُجهضة، وقد استطاع الكاتب أن يؤسس لها خريطة بيولوجية وسيكولوجية, بل وجينيه, وكانت علاقتها بأحمد الضوي مصدر سخرية لكثير من صديقاتها مثل هايدي وستيلا, وإتهامها بأن ذوقها قد انحدر بسبب زواجها من علي منصور, فهى متمردة ولا يهمها شيء سوى سعادتها ونشوتها.

وقد جاء بالرواية “أنا لست على استعداد لأن أمرض أو أعتل بسبب أي شخص مهما بلغ قدره عندي”.

أما جيهان فهي تعيش صدمة موت زوجها الفنان التشكيلى تميم, ولقد تكاملت الفنون في هذه الرواية من حيث فن الكلمة وفن النغم وفن الصورة.

وعن دور الناشر المؤثر في المبدع تحدث الناشر محمد رشاد, حيث أكد على ضرورة النظر للناشر بنظرة أعمق من كونه “مطبعجي”، فالناشر المثقف الآن والذي يمكنه من الوهلة الأولى أن يدرك قيمة العمل الإبداعي, بل وأصبح وعيه يدله في كثيرا من الحالات على مدي تجاوب الجمهور مع العمل.

وعن رواية مكاوي قال رشاد إنه صدم في البداية من حجم الرواية والذي يعد كبيرا نوعا ما عن ما هو معتاد الآن, وأوضح أنه كان متخوفا قليلا من عدم رواجها لأن لأن القارئ العربي الآن لا تستهويه الأعمال الضخمة, ولكنه كان يعلم قدر مكاوي ويدرك أنه روائي كبير ويمتلك أدواته.

ووصف رشاد مبيعات الرواية بعد ان قام بالفعل بطباعتها بالجيدة جدا.

واختتم الحفل بتسليم د. أمل الصبان درع المجلس الأعلى للثقافة للروائي المتميز مكاوي سعيد.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى