رواية “هوت ماروك” لـ”ياسين عدنان”: كوميديا سوداء تُعَرِّي أعطاب المجتمع المغربي

خاص (الجسرة)

علاء كعيد حسب

تجربتنا التاريخية، على حد تعبير “ميلان كونديرا”، علمتنا أن الإنسان يغدو عنصرا في كتلة أكثر منه فردا (موضوعا)، و هي بالضبط، الخلاصة التي اختزنها الإعلامي و الأديب المغربي “ياسين عدنان” في روايته “هوت ماروك” التي قدمها على أنها رواية “حول المغرب.. تحاول رصد تحولاته منذ السبعينيات إلى الآن، و كيف أن المغرب و المغاربة انتقلوا من حياة بسيطة إلى حياة تعج بالصخب، مع تطور الحياة في المدينة و ظهور الانترنت.. رواية ترصد التحولات السياسية بالمغرب خلال هذه العقود، من خلال سيرة شخصية طريفة و غريبة الأطوار اسمها رحَّال العوينة”.
“رحَّال العوينة” بطل “هوت ماروك”، شخصية يائسة و جبانة و تعيش في الظل. بطولاته الوحيدة حققها في أحلامه و عن طريق الوشاية الكاذبة و تلفيق التهم أيام دراسته الجامعية، و عن طريق الإنترنت، عبر اسمين مستعارين لمعلقين من نسج خياله على موقع إخباري، و حساب لفتاة، جسدها واقعي و تفاصيلها من خيال، على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”. أما حضوره اليومي في الواقع، فباهت و لا يتعدى هوامش الحياة في مدينة مراكش الصاخبة التي اختارها “عدنان” فضاءً لروايته.
الرواية الصادرة مؤخرا عن دار “الفينك” بالمغرب و عن دار النشر “العين” بمصر، و التي جاءت في 460 صفحة من الحجم المتوسط، تعتبر مرآة لواقع الحياة بالنسبة إلى جيل “ياسين عدنان”، بكل ما يمثله من آمال و انكسارات و أحزان و أفراح، كما تستعرض الرواية في اثنين و ثلاثين فصلا، تفاصيل طبعت حياة المغاربة، انطلاقا من حياة المراكشيين، خلال الأربعة عقود الأخيرة.
“رحَّال” الشخصية المحورية في الرواية، شخصية يتجلى حقدها جليا في موضعين اثنين، أولهما تلفيقه التهم لـ”وفيق الدرعي” الشاعر الشاب المحبوب الذي لم يتقبل “رحَّال” الحظوة التي يتمتع بها بين طالبات الجامعة بفضل وسامته و تميزه في قصيدة النثر، ليقدم معلومات مغلوطة لأحد الطلاب مفادها بأن “الدرعي” يقدم تقارير إلى الأجهزة الأمنية عن كل ما يجري داخل التنظيمات اليسارية بالجامعة، ما تسبب للشاعر المسكين في مشاكل أرغمته على التواري عن الأضواء التي سيحرص “رحَّال” عند كل مناسبة من حرمانه منها عن طريق التعليقات اللاذعة و التهم الملفقة و الأسماء المستعارة. أما ثاني الموقفين، فهو استدراج “عماد القطيفة” الشاب الناجح إلى فخ موعد مع “هيام” الشخصية الفيسبوكية التي ابتدعها “رحَّال” من أجل الإيقاع به مع زوجته، لحقده على “عماد” بسبب نجاحاته رغم أنه لم يحصل على شهادة الباكالوريا و زواجه من “هيام” المرأة التي يعشقها “رحَّال” و يضاجعها فقط في أحلامه.
كما أن “هوت ماروك”، تُشَرِّحُ واقع حال المجال الصحفي بالمغرب، و ما يعتريه من خلل في رسالته النبيلة و خضوع بعض ممتهنيه لأجندات توحي إليهم ما يعملون، من خلال شخصيتي “نعيم مرزوق” كاتب أعمدة الرأي بجريدة “المستقبل” و “أنور ميمي” رئيس تحرير الموقع الإخباري “هوت ماروك”. بحيث أن السارد جعل حضورهما ضمن أحداث الرواية مقرونا بتنفيذ التعليمات و الأجندات، بعيدا عن أي حس لأخلاقيات المهنة أو للضمير المهني. و بذلك يمنحنا الراوي صورة واقعية نسبيا عن كيفية تحريك الرأي العام المغربي من خلال السلطة الرابعة.
كما جعل “عدنان” من روايته نافذة عكست التحولات السياسية التي طرأت بعد وفاة الملك الحسن الثاني و اعتلاء الملك محمد السادس العرش، من حيث التعددية الحزبية و حرية التعبير و التهجين الذي أضحى سمة الأحزاب السياسية التي انسلخت عن الاديولوجيات بهدف احتلال المراتب المتقدمة في صناديق الاقتراع، و ما يرافق ذلك من استغلال للدين و مآسي العباد و مقدسات البلاد. دون أن يغيب الروائي في بداية روايته، سرد تفاصيل من الحياة الجامعية المغربية و ما يسمها من حماس و غيرة و نضال من جهة، و خيانة و تقاعس و بهتان من جهة أخرى.
و من خلال “هوت ماروك”، تناول “ياسين عدنان” بعضا من جوانب حياة مهاجري دول جنوب الصحراء بالمغرب، من خلال شخصيات “أميليا” و “فلورا” و “ياكابو” الذين لم يجدوا بديلا عن الاشتغلال في الدعارة. كما تناولت الرواية انتقال الجنس من الواقع الملموس إلى الافتراضي، عبر “فدوى” و “سميرة” فتاتي “نجمة مراكش” اللتين كانتا توظفان الانترنت من أجل الحصول على زبائن و تقديم خدمات جنسية لهم عبر الويب بمقابل مادي. كما تناولت الرواية، تلك الفئة الانتهازية التي لا تهمها المبادئ بقدر ما تهمها مصالحها الشخصية، انطلاقا من شخصية “اليزيد” البرغماتي لدرجة تثير الغثيان. و تطرق “عدنان” في روايته أيضا، لكيفية صناعة العالم الرقمي للتطرف الديني عبر شخصية “أبو قتادة”، و لاستعداد بعض الشباب المغربي عن التخلي عن كل شيء بهدف الهجرة إلى الخارج انطلاقا من شخصية “قمر الدين”.
و من بين ما يستخلصه القارئ لـ”هوت ماروك”، غياب سلطة الحب و قلة حيلة المصابين به و سوء حظهم، و كأن “عدنان” يؤكد ما ذهبت إليه الروائية التركية “إليف شافاق” حين قالت: إن مناقشة موضوع عميق و شديد الحساسية كالحب أشبه بمحاولة الإمساك بريح عاصفة. فقد يصيبك الأذى الذي تسببه الريح، لكن ما من وسيلة إلى التخفيف من سرعتها.
و في ختام هذه القراءة المتواضعة لنص سردي سيجد، من دون شك، حيزا له في دراسات النقاد و بحوث المهتمين بالحقل الروائي، نستطيع القول بكل ثقة و أمانة، بان “هوت ماروك” للإعلامي و الأديب المغربي “ياسين عدنان”، رواية ممتعة اشتغل عليها مؤلفها بوعي و حس شعري نافذ، لا يمكن إلا أن يبصم ذائقة المتلقي و يدفعه إلى قراءتها من مرة إلى أخرى..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى