لنا عبدالرحمن: هواجس الذات.. هواجس المرأة.. هواجس الكتابة

منير عتيبة

هل كانت الكتابة هى الوسيلة المناسبة التى لجأت إليها الفتاة الخجول لتختبر العالم وتتواصل معه وتحكي عن هواجسها بحرية ومحبة من دون أن تنظر مباشرة في عيون الآخرين ويرون وجهها وهي تتكلم؟

أم كانت الكتابة هي الوسيلة الملائمة للشابة التي اكتوت بحروب عديدة في مراحل عمرها المختلفة لكي تصرخ ضد كل فظائع الحرب؟ أم هي الكتابة الوسيلة الأفضل لكي تتواصل بها المغتربة التي تركت بيروت لتعيش في القاهرة، تتواصل مع بيروت والقاهرة والعالم، مع الإنسان من حيث هو إنسان؟ أم الكتابة ملجأ أخير للمرأة المبدعة المسكونة بهواجس الذات والإنسان والمحبة والألم والأمل؟

أم أن الكتابة بالنسبة للنا عبدالرحمن هي كل ذلك وأشياء أخرى أكثر وأعمق بهجة وألما؟!

أصدرت لنا عبدالرحمن أربع روايات (حدائق السراب – تلامس – أغنية لمارغريت – شتاء القاهرة – قيد الدرس) ومجموعتين قصصيتين (أوهام شرقية – الموتى لا يكذبون) بالإضافة إلى قراءات نقدية في الرواية العربية بعنوان “شاطئ آخر”، حصلت على ليسانس اللغة العربية في جامعة بيروت، ثم دبلوم ترجمة معتمدة من الجامعة الأميركية بالقاهرة، كما حصلت على ماجستير في الدراسات الأدبية، ودكتوراه عن موضوع السيرة الذاتية في الرواية النسائية اللبنانية. وهي عضو نقابة الصحفيين المصرية، واتحاد الكتاب ونادي القصة في مصر. ونائب رئيس التحرير بجريدة “صوت البلد” المصرية، ومسئولة عن تحرير موقع ثقافي إلكتروني بعنوان ” نقطة ضوء” www.n-dawa.com.

وفي هذا الحوار تفتح لنا عبدالرحمن قلبها وعقلها وتضع بصراحة أمامنا هواجسها ككاتبة وامرأة لا تنفصل عما يحيط بها ولا تمل النظر إلى أعماق الإنسان.

• الخلاص بالكتابة خلاص ذاتى

• الكتابة وعلاقتك بها هاجسك الأساسي، بدليل تصديرك لموقعك الشخصي على الإنترنت بهذه العبارة “نطلق كتابتنا إلى العالم ولا نعرف ما سيعود إلينا، حتى هذه اللحظة أسأل نفسي (لماذا أكتب؟) لا أجد أي جواب سوى أن الكتابة تمنحني غبطة داخلية لا يمنحها أي شيء آخر. دون الكتابة أحس بجفاف داخلي ونضوب؛ لذا أواصل الكتابة استجابة لظمأ ذاتي لا يرتوي”.

فهل كانت الكتابة خلاصًا نفسيًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا بالنسبة لك؟ وهل هي السلاح المتاح الذي يمكن لك مواجهة العالم به، أو الخلاص بالكتابة ليس سوى وهم كما صرحت بذلك في أحد حواراتك الصحفية؟

ـ الخلاص بالكتابة هو خلاص ذاتي من نحو أول، وهذا الخلاص الذي يبدو فرديًا جدًا في مراحله الجنينية الأولى يصير كائنًا حيًا في وقت لاحق. كائن حي يمتلك القدرة على الحياة والمواصلة عبر الزمن. ومن هنا نرى النصوص الأدبية الجيدة تنتقل من جيل إلى جيل، وتمارس حياتها وسطوتها على أزمنة أخرى بعيدة عن الزمن الذي كُتبت به، وبهذا تكون انطلقت نحو العالم دون معرفة بما ستعود به.

لننظر مثلًا إلى أعمال عظيمة؛ مثل: روايات “تولستوي” أو “دوستويفسكي”، أو أعمال “شكسبير” أو غيرها من الأعمال الخالدة، مازالت حتى الآن قادرة على جذب اهتمامنا، رغم أنها تحكي عن زمن آخر لا ننتمي له، لكنها في الوقت عينه تحكي عما يشترك به البشر جميعا من حالات ومشاعر في: الحب، الحرب، الغيرة، الحسد، الحقد، الطمع، التملك، الإيمان، الزهد، العطاء، والفشل.

إنها المشاعر التي تتكرر في دائرة كبرى لا فرار للإنسان منها، لكن كل ما عليه فعله هو اختيار الدائرة التي يتحرك فيها، ربما يظل البعض طوال أعمارهم يتنقلون بين عدة دوائر، متقلبين بين مشاعر عدة؛ لذا تكون الكتابة في كثير من الحالات تمثل حالة تكشف لذواتنا، ولدوائرنا الخاصة التي لا تتبين لنا عن كثب إلا عبر الوصول إلى أعماق الذات، ومن هنا – وبعد العودة من رحلة الكتابة – تحدث حالة شفاء غير مقصودة، ولم تكن هي الهدف، بقدر ما كان العبث الذاتي يحرك أوهامنا عن الكتابة، ثم رويدا رويدا حين يتشكل نسيج النص الأول، وتبدأ ملامحه بالوضوح والتحول، لا بد من أن تنتابنا رعشة فرح لا يمكن الحصول عليها سوى بعبور تلك الرحلة.

• الحرب سرقت طفولتنا وصبانا

• “الحرب اللبنانية” هي هاجسك الكتابى الأكبر، أو لنقل هي الهاجس كثير الظهور في أعمالك القصصية والروائية. فهل التجربة الحياتية الفعلية التي عاينتها “لنا عبدالرحمن” هي المؤثر الأقوى، أو أن موقفك الفكري والإبداعي هو ما يدفعك للكتابة عن الحرب؟

ـ دعني أقول إن الموقف الذي يدين الحرب، أخذ هذا العمق في داخلي نتيجة التجربة الحياتية المعاشة. كان للاجتياحات الإسرائيلية المتكررة، وما تلاها وتقاطع معها من أزمنة حروب أهلية استمرت قرابة العشرين عاما في لبنان، أن تركت في ذاكرتي ندبة قوية عن بشاعة الحروب، وكيف تحرق الأرض الخضراء لتصير يبابا. من هنا لا يمكن لأطفال الحرب – مثلًا – أن يعرفوا ماذا تعني الطفولة بوضعها العادي، أن تكون طفلا لا يسمع أصوات القذائف، ولا يخاف فقدان أمه بسبب الرصاص، أن يذهب لمدرسته، ويكتب واجباته، ويشاهد التلفاز، كلها تفاصيل غير مدركة، إلا بعد أن تكبر وتدرك أن ثمة وجوهًا أخرى للحياة، وأنك لسبب ما وجدت في مكان وزمان سرق طفولتك وصباك مجانا بلا أي مقايضة.

وحين تعي أكثر ستكتشف أن تلك الحروب اللعينة، قصفت أعمار من أحببتهم، أو تركت غيرهم مشوهين جسديا أو نفسيا، لكل هذه الأسباب أدين الحرب، والسلاح، والعنف، وكل ما يؤدي مجانًا لدمار الإنسان؛ إذ ثمة دمار نحتاج له لنعيد البناء، لكن حين يأتي الهدم لمجرد الهدم والاستمتاع برؤية النيران، حينها ينبغي أن نصرخ بقوة رافضين لكل ما يمكنه أن يؤذي إنسانيتنا.

• بيروت والحنين المراوغ

• تعيشين في القاهرة، لكن بيروت هي بطلتك الدائمة. فهل الحنين لبيروت هو دافع الكتابة عنها، أو هي الغربة في القاهرة؟

ـ آه فعلا، ربما يكون الحنين، رغم قولي دائما بأن الحنين عاطفة مراوغة لا تدعو للثقة. فنحن نعيش الحنين بحثا عما في ذاكرتنا، لكن البعد، الغربة، السفر، والمعرفة، كلها أشياء تمنحنا نضجا آخر، لا يمكنه أن يركن للصور القديمة؛ لذا نعيد تشكيلها عبر الكتابة؛ لنبني الصورة الأقرب إلينا.

ولكن بالنسبة لي وحيز التنقل بين القاهرة وبيروت يمنحني نوعا من حرية عدم الركون لمكان واحد، وهذا ينسجم مع طبيعتي الداخلية الميالة للسفر. في أعمالي الروائية؛ حيث ظلت مدينة بيروت هي المكان الذي أكتب عنه، لكني الآن بدأت في العمل على نص جديد عن القاهرة.

• عن التجريب والألم والإنسان من الداخل

• يبدو التجريب هاجسك أو قلقك الإبداعي المؤرق، وبالذات في روايتك “أغنية لمارغريت”، أكثر من سارد بأكثر من وجهة نظر، وتعامل خاص جدا مع الزمن المتشظي بين الآن والماضي، وتداخل الحكايا التي تبدو أحيانا شديدة الترابط، وأحيانا لا رابط بينها، وأحيانا تكون الروابط أقوى – وممكن أعنف – مما يبدو من القراءة الأولى؟

ـ يشغلني هاجس البناء الروائي، وأميل للتجريب ليس للخروج عن أساليب الكتابة التقليدية، بقدر ما هي محاولة للاكتشاف. الكتابة في النتيجة فعل مغامرة، والتجريب فيها جزء من تلك المغامرة، لكنه الجزء الأكثر خطورة، لأنه قادر على التحليق بالنص، وقادر على إدخاله في نفق لا نهاية له، وفي كل هذا يكون القارئ شريكًا لا ينفصل عن المغامرة؛ لأنه إما سيتفاعل مع لعبة التجريب ويكون مستمتعا بها، ومشاركا في القراءة والحكم، وإما نافرا منها؛ لأن الكاتب لم ينجح في الاحتفاظ به ليستمتع باللعبة.

• رغم وضوح العالم الخارجي الذي تتحرك فيه شخصياتك الروائية، وكذلك وضوح ملامح تلك الشخصيات للقارئ، إلا أن اهتمامك الحقيقى ينصب على العوالم الداخلية التي تكون هي أساس العمل الروائي لديك وما الخارج إلا رتوش مكملة للصورة.. فما تعقيبك؟

ـ ربما لأني أرى أن الألم يبدأ من لحظة فرار الإنسان من عالمه الداخلي وهروبه إلى الخارج، ثم يتفاقم مع كل تجربة فرار. البعض يملأ الوقت بالعمل لجني المال بلا رحمة، أو الثرثرة لقتل الوقت، أو هاجس الشراء، أو العنف، أو الجنس.. إلى آخرها من الوسائل المتاحة للهروب من الذات في لهاث مستمر لن ينتهي إلا في وقت متأخر جدا، حين يبين أن كل الأشياء تم استهلاكها بلا جدوى دون أن تمنحنا أوقات فرح صافية، بل مجرد نشوة آنية سريعة الزوال.

لكل هذه الأسباب أحاول الكتابة عن الإنسان من الداخل بغض النظر عن هويته، وسلوكه الخارجي الموهوم بالأنا، إذ خلف الطبقة الخارجية هناك عوالم أخرى يحرص ألا يكشفها، لكن الكتابة تتمكن من نزع أوراق الشجرة الكثيفة ورؤية نواتها الصلبة.

• الكاتبة الأنثى اللبنانية!

• يعتقد الكثيرون أن “الكاتبة الأنثى اللبنانية” ليست لديها كثير من المشكلات، أو الهواجس التي يمكن أن تكون لدى كاتبات عربيات أخريات تعشن في مجتمعات أقل انفتاحا أو أكثر انغلاقا من المجتمع اللبناني. فما هواجسك ككاتبة أنثى لبنانية؟ وهل كونك هكذا كان دافعا إلى الأمام خطوات، أو معرقلا؟

ـ في كثير من الأحيان تستوقفني فكرة أن المرأة الكاتبة اللبنانية ليست لديها مشكلات كسائر النساء العربيات، وأتساءل عن مدى صواب هذا الرأي؟ إذ على مستوى الواقع تختلف الأمور كثيرا. وفي النتيجة المرأة الكاتبة هي جزء من نسيج المجتمع، وهذا المجتمع بكل قوانينه وتشريعاته؛ مثل مجتمعات عربية أخرى يضع سدودا في وجه النساء؛ لنأخذ مثلا القوانين المدنية؛ في مصر مثلًا القوانين المدنية للمرأة أفضل بكثير من لبنان، لكن لا يمكنني الحكم على حال المرأة في لبنان بمنظار واحد؛ لأن أحوال المرأة في “بيروت”، تختلف تماما عن حال المرأة في البقاع أو الجنوب.

من قرأ روايات حنان الشيخ وعلوية صبح – مثلًا – سيقف على وجه من معاناة المرأة اللبنانية لا يكشفه الإعلام كثيرا، وسترى تقاطعات من العذاب مع نساء عربيات لا يبدو حال المرأة اللبنانية أفضل منهن؛ لذا فعند مراقبة الكاتبة لنسيج المجتمع اللبناني الذي مزقته الحروب، ستجد أن لديها كماً من الهواجس والآلام النفسية، التي تحتاج لعمر كي تكتب عنها.

• كتابة الجسد.. السيرة الذاتية

• بعض الكاتبات تسعين إلى الشهرة و”الفرقعة” بفضح الجسد، وليس كشف وتشريح الذات؛ باعتبارها فردًا في محيط اجتماعي؛ وللحقيقة بعضهن يحصلن على ما يردن بالشهرة والمبيعات الأكثر توزيعا. فما رأيك في هذه الظاهرة وتلك الكتابات؟

ـ من حق أي أحد أن يعبر عن ذاته ورؤيته بالطريقة التي تنسجم معه؛ سواء كان ذلك عن طريق الكتابة عن الجسد، أو أي أمر آخر، لكن ما يهم أو ما سيبقى في النتيجة هو النص الجيد، ومن الممكن لنص أن يُحدث ضجة ويكون جيدا، والعكس يحدث أحيانا؛ أي: ضجة دون نص جيد. ولكن مع الوقت ثمة مسار تستطيع الكتابة الجادة نحته عبر الزمن، وهذا ما ينكشف.

• بين الرواية التي تستقي من مصادر عديدة أحدها السيرة الذاتية، وبين السيرة الذاتية للكاتب، نقاط تماس عديدة، أحيانا تكون نقاط التماس هذه واضحة في كتابات لنا عبدالرحمن. فهل تقصدين هذا قصدا مثل بعض الكتاب الذين يدمجون بعضا من سيرهم الذاتية في أعمالهم (طالب الرفاعى مثلًا)، أو أنه غير مقصود في أعمالك؟ وهل ترين أن هناك حدودا لاستغلال السيرة الذاتية في العمل الأدبي، خصوصا أن تلك السيرة لا تعني المبدع وحده، بل تمس من يعيشون معه بشكل أو بآخر، وخصوصا أيضا أن السيرة الذاتية هو موضوع أطروحتك للدكتوراه؟

ـ في هذه المرحلة من الكتابة أميل إلى وضع شخوص رواياتي على أرض مستقلة بعيدة عني، وعن ذاتيتي وسيرتي الخاصة، ومن الطبيعي جدا أن يضع الكاتب جزءًا منه في أبطاله، ربما يكون هذا الجزء طفيفًا للغاية مثل اختيار لون الستائر، أو الموسيقى المفضلة، أو نوع القهوة. فحين كتبت رواية “تلامس” ظهرت شخصية البطلة “ندى” بعيدة عني في المرحلة العمرية، وفي كل تفاصيلها الشخصية الأخرى، ولكن “ندى” شاركتني في بعض الأشياء التي أحبها، وظلت قصية عني تماما في أشياء أخرى. كذلك عند الكتابة عن “زينب” في رواية “أغنية لمارغريت”، ربما كنت قريبة جدا من “مارغريت” في كثير من الحالات، أكثر مما أكون متعاطفة مع “زينب”، رغم الانتماء زمنيا إلى مرحلة “زينب”.

ولكن في الكتابة هناك لعبة شد وجذب وتخفٍ، وتجربة إلى أي مدى أن تكون قادرا على تشكيل بطل غريب عنك، لكنك تكون صادقا في حديثك عنه بحيث يصدقك القارئ. أذكر في إحدى الندوات التي أقيمت عن رواية “أغنية لمارغريت” أن إحدى القارئات قالت لي حرفيا: “إني عبر شخصية “زينب”، الفتاة النحيفة وغير الجميلة، كسرت الفكرة التقليدية عن المرأة اللبنانية”، لا أعرف إلى أي مدى كلامها صحيح، لكني لا أفضل أبدا الاستسلام للتنميط الشائع الآن عن إعلاء قيمة الشكل على حساب أمور أخرى، كما لا أميل أيضا للفصل بين ما هو روحي وما هو جسدي. فالإنسان في حقيقته وحدة لا تتجزأ، لكن ما يحدث الآن هو تقديم الشكل على حساب المضمون.

• ولماذا أنتِ مهمومة بفكرة تحولات الجسد في مجرى الزمن؟

ـ لأن السيرورة الحتمية للحياة هي في تحولات الجسد، وهنا من الممكن أن نوسع مفهوم الجسد ليكون جسد العالم ككل، فكل ما حولنا عرضة للتحول، ربما لا نلحظ هذا يوميًا من كثرة قربنا من الصورة، إلا أن هذا لا يعني أن التحول لا يحدث؛ بل الأمر الأكيد أننا نتحول بشكل بطيء وحتمي، وأنا مشغولة بفكرة “الجسد” على مستوى تحولاته الكثيرة، وعلاوة على ذلك فنحن اليوم نعيش في ثقافة تقدس الصورة، وتمنح الأولوية للشكل على حساب المضمون، والشكل هنا يعني جسدًا جميلاً، فتيًا، وشابًا.

لكن ماذا عن الأجساد التي لا تنطبق عليها معادلة العصر الحديث؟ وبالتالي لا يمكننا تجاهل حقيقة أن جسدنا يسير نحو هرمه بشكل طبيعي وحتمي، وانطلاقًا من تقبلنا لهذه الحقيقة تصير رؤيتنا للعالم أكثر اتساعا من فكرة محدودية الجسد المادي.

• السقوف.. لم ترفع كلها بعد

• وهل هناك سقف للكتابة العربية عموما – للكتابة الأنثوية بالذات – أو رُفعت كل السقوف؟

ـ لا يمكنني إصدار حكم معين في هذا الأمر، لأنه يعود لدلالة كلمة “السقوف”؛ هل هي سياسية، دينية، أم ترتبط بشأن الجسد أو الجنس تحديدا. وفي كل هذه الجوانب – كما أظن – أن ثمة ما يربط السياسي والاجتماعي بالأدبي والثقافي.

ويمكننا طرح هذا السؤال بشكل آخر إذا كانت هناك حرية للكاتب أن يكتب ما يريد، وكما يريد، كما يحدث في أوروبا أو أميركا مثلا، حينها يمكنني القول: “بالتأكيد لا”.. وأرى أن المراحل المقبلة ربما تنطوي على كثير من المخاوف فيما يتعلق بحرية الإبداع.

• إبداع المرأة العربية

• وأين تضعين كتابات جيلك من المبدعات فى لبنان مقارنة بالأجيال السابقة؟

ـ نحن ككاتبات من هذا الجيل، كنا محظوظات بأن سبقنا مجموعة من الكاتبات اللبنانيات اللواتي تركن بصمة في الأدب العربي ككل من أمثال: “ليلى بعلبكي”، و”حنان الشيخ”، و”غادة السمان”، و”إميلي نصرالله”، و”هدى بركات”.. وغيرهن، مما مهد لوجود أرضية خصبة لكتابات جديدة، لم تواجه العقبات التي تعرضت لها الكاتبات في السابق.

نحن نعرف مثلا أن “ليلى بعلبكي” تعرضت للمحاكمة بسبب الكتابة، وأنها اختارت الهجرة إلى أميركا واعتزال الكتابة. كاتبة لبنانية أخرى تدعى “منى جبور” انتحرت وهي في ريعان الشباب. لكن دعني أقول إن العصر الذي ننتمي إليه رغم صعوباته المختلفة، وتحولاته السريعة، إلا أنه الأفضل بالنسبة للكتابة، رغم كل ما يقال عنه من سلبيات.

• وأين تضعين إبداع المرأة العربية حاليًا على خريطة الإبداع العالمى؟

ـ هذا السؤال معقد، ويحتاج إلى حوار مستقل؛ لأنه يرتبط بكثير من الجوانب الفرعية التي ترتبط بحال الأدب العربي على الخارطة العالمية، كما يرتبط بالترجمة، ودور النشر، ووصول الكتاب العربي إلى الخارج، والتسويق له، ومعرفة ما نسبة توزيع الكتاب العربي بعد ترجمته؛ إذ خطوة الترجمة بحد ذاتها خطوة نحو العالمية، لكنها تظل ناقصة؛ بسبب عدم معرفتنا بمدى انتشار الكتاب العربي بعد الترجمة. ولا يمكن فصل إبداع المرأة عن كل هذه التفاصيل.

• الكتابة الرقمية.. وشروط الكتابة

• كنتِ حريصة على أن يكون لك موقع عبر شبكة الإنترنت. فهل لديك هاجس نحو محاولة خوض تجربة الكتابة الرقمية، خصوصا أن بعض الآرء ترى أن المستقبل للأدب الرقمي مقابل الأدب الكتابي؟ بالمناسبة ما رأيك أنت فى هذه الآراء؟

ـ نعيش في عصر يتصف بالسرعة وتوفر المعلومات، ربما لهذا السبب رأيت أن وجود موقع إلكتروني يتضمن بعض ما أكتبه، أو يُكتب عني، يسهل في الحصول على المعلومة. وفي النتيجة يُشكل النشر الإلكتروني حلقة من حلقات التواصل مع القراء. أما فيما يتعلق بالكتابة الرقمية، فربما يكون لي تجربة معها في المستقبل.

• للكاتب شروط لا يستطيع الكتابة بدونها، فهل لديك شروط خاصة؟ وهل هذه الشروط تحتاجينها لحالة الكتابة عموما، أو أن القصة والرواية والمقالة لكل منها شروطها الخاصة؟

ـ عند الكتابة الصحفية، من الممكن التنازل عن شروط الكتابة الإبداعية؛ فالمقالة الصحفية تحتاج لسرعة، وخبرة، والإمساك بالفكرة وتتبعها منذ البداية الى النهاية. لكن في الكتابة الأدبية يكون عامل الوقت لدي مهما، إذ لا يمكنني إنجاز كتابة إبداعية في أشهر الصيف، كما أفضل الكتابة حين أكون وحدي تماما بلا أي مؤثرات أخرى.

 

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى