مكتبة القرويين في فاس… ثروة حضارية وتراثية نادرة

فاطمة عاشور

لا تزال مكتبة القرويين التراثية وهي من أقدم المكتبات في العالم، تجذب وتستقطب الباحثين العرب والأجانب، خصوصاً بعد فتح أبوابها للعامة أخيراً، بعد نحو أربع سنوات من الإصلاح والترميم.
وأعيد فتح المكتبة في مدينة فاس العريقة، العاصمة العلمية للمغرب، بعد ترميمها ضمن برنامج لإعادة الاعتبار إلى المباني العتيقة رصدت له استثمارات ناهزت 30 مليون دولار. ويتضمن تأهيل وترميم وتجديد 27 موقعاً تاريخياً في المدينة، من بينها 11 من المدارس العتيقة و43 مدرسة قرآنية و83 ضريحاً وزاوية، و40 من الحمامات التقليدية، إضافة الى 176 مسجداً من بينها جامع القرويين الذي يعد تحفة فنية عريقة في الهندسة والمعمار.
ويقول أمين مكتبة القرويين عبد الفتاح بوكشوف إنها من أقدم المكتبات في العالم، وتحتوي على مخطوطات ووثائق نادرة. ويعود تأسيسها إلى العام 750 للهجرة على يد السلطان أبي عنان المريني. وقد عمد الخبراء إلى تخزين نفائسها بواسطة الـ «ميكروفيلم»، ما يسهل على الباحثين والطلاب والأكاديميين عملية البحث وصيانة هذه الذخائر من التلف والضياع. كما رُبطت هذه المكتبة بشبكة أكبر المكتبات العالمية، من أجل التعرف أكثر على مكنوناتها، وفتح آفاق جديدة للباحثين من العالم للاستفادة من محتوياتها.
وبقي هذا الصرح العريق والحضاري، وفق بوكشوف، داخل مسجد القرويين على رغم عمليات التوسيع والتجديد التي خضع لها، بخاصة في عهد السعديين الذين وسّعوا المكتبة وبنوا جناحاً خاصاً يسمى «القبة السعدية» داخل مسجد القرويين، بقيت حتى العام 1940 حين وجّه الملك الراحل محمد الخامس ببناء جناح يعرف الآن بـ «جناح العلويين». ونقلت الخزانة إلى هذا الجناح لتنفصل بذلك عن مسجد القرويين ويصبح لها مدخل خاص.
وكان لهذه المبادرة دلالة كبرى وفق أمين المكتبة، لأن فصل الخزانة عن مسجد القرويين يعني من بين أمور أخرى أن مخطوطات الخزانة وكتبها لم تعد حكراً على المسلمين بل بإمكان أي طالب وباحث من ديانات أخرى أن يستفيد منها. تغلب على مخطوطات خزانة القرويين المواضيع المرتبطة بعلوم الشريعة، فتتضمن الكثير من المصاحف والتفاسير وكتب الفقه والحديث والأصول، إلى جانب مخطوطات في الطب والرياضيات والجبر وعلوم الفلك والفلسفة والشعر والأدب والتاريخ والسير والرحلات وغيرها.
وتضم الخزانة عموماً نحو 4 آلاف مخطوطة مفهرسة بطريقة إلكترونية. ومن أبرز نفائسها «المصحف الأكبر» الذي أهداه السلطان أحمد المنصور الذهبي إليها عند تدشينها العام 1011 للهجرة، ولا توجد أي نسخة مطابقة له في أي خزانة أخرى داخل المغرب وخارجه. كما تضم المكتبة قطعة عتيقة من مصحف كُتب على الرق بخط كوفي، و«مختصر أبي مصعب الزهري» المكتوب على ورق عتيق بقرطبة في الأندلس العام 359 للهجرة، و«سيرة ابن إسحاق» التي تعتبر أقدم ما يوجد فيها.
وللفلسفة حصّة مهمة في المكتبة، إذ تحتفظ بنسخة فريدة من كتاب «العبر» لابن خلدون الذي وضعها شخصياً في خزانة القرويين حين كان يقيم ويدرس في مدينة فاس. ووضعت مخطوطة «العبر» على لائحة منظمة «يونيسكو» للتراث العالمي والإنساني، ضمن برنامج «ذاكرة العالم»، إضافة إلى مخطوطة نادرة عبارة عن أرجوزة طبية كتبها الفيلسوف الطبيب ابن طفيل، وهي النسخة الوحيدة المعروفة في العالم. ويتطرق ابن طفيل فيها، من خلال أبيات شعرية، إلى مختلف الأمراض من الرأس إلى القدم وطرق علاجها. وهناك أيضاً مخطوطة لكتاب ابن رشد «البيان والتحصيل»، وهي نسخة سلطانية فريدة وجميلة جداً مكتوبة على رق الغزال ومذهّبة، واعتُمدت في تحقيق هذا الكتاب الذي طبع في مجلدات.
ويؤكد أمين المكتبة احتواءها على إنجيل مكتوب باللغة العربية كتب بخط أندلسي عتيق على الرق، يعود إلى القرن 12 ميلادياً، إضافة إلى مجموعة من المطبوعات الحجرية القيمة والنادرة والتي يقدر عددها بـ 600 مطبوع حجري. وهناك مطبوعات تقدر بـ 24 ألف عنوان، منها مطبوعات نادرة يصل عمر بعضها إلى 150 سنة، وبالتالي فقد أضحت في حكم المخطوطات وفق المهتمين.
وفي الخزانة أيضاً عدد لا بأس به من «الخروم»، وهي مخطوطات ووثائق نادرة ولكنها غير مكتملة أو متلاشية أو تنقصها بعض الأوراق، ويحتل فيها الكتاب الفقهي المالكي (المخروم) المرتبة الأولى من حيث العدد، مقارنة بسائر انواع خروم الفنون.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى