«سرّ المرجان» دراما الواقع المغربي وأزماته

مبارك حسني

تتوالى حلقات مسلسل «سر المرجان»، وفي كل حلقة يكتسب اختماراً جديداً، وحضوراً بصرياً شاسعاً، وانخراطَ مشاهدين مهتمين يوماً بعد يوم. المسلسل تعرضه القناة الثانية في الفترة الثانية من السهرة الرمضانية، فصار موعده منتظراً. المسلسل كُتب في شكل يُقلّص المسافة بين المشاهد والأحداث، عبر أسلوب متقن في صوغ الحلقات، وموضوعه من صميم الحياة المغربية في تجليات يومياتها العادية.
يروي المسلسل قصة مُدَرِّستين تم تعيينهما للعمل في مدرسة في ضواحي مدينة صغيرة تحوي ميناء صيد (مدينة أصيلة في الحقيقة). البطلة الرئيسة، نادية، تعمل في التعليم العمومي، بينما حسنة في التعليم النظامي اﻷولي. وفي إطار هذه المهنة النبيلة، صراعات تغدو فيها المدرسة طرفاً في مواجهة أشخاص يمتهنون صيد المرجان والتجارة في الممنوع يتزعمهم شخص نافذ مالياً، الكلّ يبقى خاضعاً لأوامره ونواهيه، من دون أن يقبل أية معارضة أو احتجاج.
يصوّر العمل شخصياته ضمن سياق العائلة وأجوائها، حرصاً على واقعية يسعى لها العمل. فيرى المشاهد تصويراً لعائلة الرجل المتسلّط أو النافذ، وهي موزعة على سكنين مختلفين، ولكن على طرفي نقيض. سكن وعائلة يمنحان صورة البحبوحة والرغد مع حزمة من المشاكل النفسية والاجتماعية عنوانها النفاق والمداراة، وسكن وعائلة أخريان يعطيان صورة الكفاف والتواضع إنما مع كبرياء وأنفة. وحولهما شخصيات تقدم صورة ثالثة لمجتمع مصغر بكل ما يعرفه من توتر أو هناء.
الحكاية طبيعية مألوفة تتناول الصراع اﻷبدي بين الخير والشر ممثلَين بأشخاص مرسومين كي يؤدي كل واحد منهم دوراً محدداً يوافق طبعاً خاصاً، من قبيل الطمع والحسد والسيطرة والحب. أمّا الجديد فيتبدى في تشبيك العلاقات بين الأشخاص، وتعقيد الوقائع بعدم تقديمها مفسرة واضحة عادية. وهو يفعل متبعاً مبدأ تعقد الحياة ذاتها.
الشكل المعتمد وفيُّ لما ذكرناه سابقاً من حيث التعقيد المقبول. هنا تداخل للأحداث وتشابكاتها وتوال للمشاهد بحسب كل وضع مكاني وكل جوّ عائلي، رئيسي أو ثانوي. لكنه ﻻ يحول دون وجود سلاسة ملحوظة ومحببة. هو تعقيد مفكر فيه يروم إحداث تعدد زوايا متابعة وخلق إثارة مختلفة.
وساعد في النجاح اللافت اﻷداء المتمكن لكل من البطلتين سامية أقريو في دور المعلمة المتمردة القوية الشخصية التي تتعارك من أجل إحلال الخير، ونورة الصقلي في دور مركب كزوجة متروكة ثم كامرأة مرغوبة، واللتين كتبتا حلقات المسلسل بالتعاون مع رقية بنميمون والممثلات سعدية ﻻديب وهند السعيدي والمخضرمة مليكة العماري. ونذكر الممثلين المعروفين أمين الناجي وعمر لطفي والممثل التونسي هشام رستم الذي شكل وجوده في سلسلة مغربية حدثاً فنياً ومساهمة مغاربية محمودة. المسلسل الذي أنتجه المخرج والمنتج نبيل عيوش وقعه المخرج شوقي العوفير، الذي نجح في تقديم عمل متكامل العناصر، بدءاً من أغنية الجنيريك (الافتتاح) وحتى مشاهده الأخيرة.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى