مليحة مسلماني تتوقف عند جماليات النص في الفن التشكيلي الفلسطيني المعاصر

أحمد التجاني

صدر حديثا للناقدة الفلسطينية دكتورة مليحة مسلماني كتابها الجديد “تجليات الحرف جماليات النص في الفن التشكيلي الفلسطيني المعاصر” عن دار نشر مكتبة كل شيء بحيفا، في توجيه جديد للإبداع واضاءة الطريق للمبدعين.

المبحث ولج بانسيابية وتجنب حقيقة الوقوع في حفر ومتاهات القراءات النقدية المعتادة التي تتكلف في فهمها للعمل الفني تكلفا يربك القارئ في عملية تلقيه وإدراكه للمعنى.

فنانون من أرض الزيتون والصمود تناولتهم الدراسة واستشفت جماليات أعمالهم الفنية التي عبرت عن وعي الهوية في الفنون التشكيلية الفلسطينية المعاصرة وهو لمحة من ملامح الصمود والمقاومة الفنية بجدارة.

عرض الكتاب لما كان ينبغي تحقيقه من دراسته لنماذج معاصرة من الفن التشكيلي ومعالجتها بطريقة تحديدية لجماليتها الفنية التي لن تجد الاطمئنان فيها لنزعتها الصمودية!

كما أن الكاتبة أحست فعلا أن المهة صعبة ما لم تتعمق في فهمها ثم تخرج ذلك الفهم للقارئ بطريقة وصفية تنطلق مباشرة بعد الابداع، وتكون غايتها تسريب الانفعال الشعوري والجمالي للأعمال الفنية، ومقاربتها بهدف استقصاء مواطن الجمال الخفي.

يبدو فعلا أن مفهوم الذات في الوجدان الفلسطيني قد تطور بطريقة تشد الفلسطيني الفرد للكون جملة حتى تغدو به الحياه والكون وفلسطين في اطار واحد!

شعور الغربة والضياع الذي كنا نلمحه في الأدب الفلسطيني اختفى تماما، فالذات الفلسطينية تنبنى ذاتها بتجديد متسارع ذي جذور قوية يجعل هذه الذات واثقة بقدراتها وعدالة قضيتها التي تظهر في تكون هوية تشكيلية واضحة الملامح لصيقة بالمجتمع الفلسطيني تنفض الركام الذي أحاطها بقوة متناهية الأمر.

رياح جديدة تقشع السحب القديمة والأشجار التي حاول الكيان الإسرائيلي زرعها لنباتات ذاتية تنمو بحرية وتفلسف الواقع أو نموت لأجل تغييره! صدق نفسي كبير أشعرنا به الكتاب في نفسية الفنانين وثقة لا تعرف الخوف أبدا!

لاشك أن الكتاب قدم موضوعات كثيرة أثناء طرحه وأنهى ذلك الإعتقاد الذي انطبع عند البعض بأن الفن الفلسطيني الداخلي في مأزق فكري وفني نتيجة التراكمات المظلة في تاريخه، وقد كنت شخصيا أعتقد قبل قراءتي لهذا المبحث المهم بأن الفنون التشكيلية الفلسطينية داخل الخط الأخضر تعاني من مشكلة الاعتراف داخل البنية الفكرية في ذاتها وعلاقتها بفلسطيني غزة والضفة والخارج بسبب الهيمنة الاستلابية التي تمارسها اسرائيل بحقهم. ولكن الكتاب أنهى ذلك الإعتقاد قطعيا.

القهر الداخلي ومحاولات صنع هوية جديدة وكل ذلك الغبار كنسته الذات الفلسطينية بشكل نهائي ووجهت رسالة واضحة كالشمس في ذلك.

وعلى هذا نستطيع القول إن المؤلفة اعتمدت على منهج تكاملي ولمست الأجزاء الدقيقة وأخرجت مكوناتها الخفية ولم تقتصر على الشكل بل انتقلت من الشكل للمضمون ونفذت من السطح للعمق طمعا في كشف الدلالات الحقيقية المقصودة لذاتها.

عتبة الدخول كانت بغلاف الكتاب للفنان الراحل تيسير شرف والذي يعد تعبيرا خالصا عن روح الكتاب النابضة بهويته كتيسير شرف ذلك الصامد الذي ترك حصنا بأعماله الفنية ذات النكهة الفلسطينية المقدسية الخالصة.

جاء الكتاب بتصدير مقدمة مثلت عتبة الدخول لمفهوم العنوان العبقري الذي يعد جسرا مهما نحو العبور إلى عالم الكتاب ومفتتحا جوهريا يعين القارئ على الولوج عبر بوابة شرعية يمثل العنوان عتبتها المقدسة!

ثم عرضه لأسماء الفنانين والمفاهيم التي ولجت بها الكاتبة لأغوار أعمالهم، لتبدأ بتعدد مستويات الخطاب البصري النصي في أعمال أسد عزي التي تشكلت بتعدد ذوات عن هوية واحدة ثم دمجت الكاتبة لتلك الرؤى ونقتها من الاشكالية التي قد يجدها القارئ في التمييز والتفريق.

ثم تبحر بنا بهدوء لسردية الحصان عند أنيسة أشقر وغبار الحروف عند باسل المقوسي، وما وراء الذات في فهم أعمال بشار الحروب ورسائل الحديد والزجاج لتيسير بركات، وما وراء الذات في فهم أعمال بشار الحروب ورسائل الحديد والزجاج لتيسير بركات، مع الوقوف عند كل فنان وعرض بعض أعماله لتأكيد القرائن الدالة على كلامها.

ثم قدمت لأعمال الفنان الراحل تيسير شرف بما غلفته بعنوان حروف القدس ورحلة تلك الحروف والخطوط بين الفن والفكر ثم عودتها من الفكر إلى الفن وتقاطعها مع فضاءات الذات المقدسية التي هي قلب الهوية الفلسطينية.

ثم النص كصورة ذاتية لخضر وشاح، وانتظار – غياب لرأفت أسعد بأبعاد واستلهاماتهما للواقع المتأزم.

وصولا للتجريب في اللوحة الخطية لساهر كعبي، واكتظاظ حروف لشريف سرحان وتشغيل الانزياح وتجاوزهما المباشرة للايحاء. ولفتت الكاتبة معاني اليقظة والتجديد والايمان المتمثل بالخلاص الكلي بأن وراء كل ظلمة نورا.

لتأتي بنا لنصوص ميلانكوليا عند شريف واكد، وسردية الحرب والمنفى عند عبد عبادي، وعبدالله القصيدة الجسد لفريد أو شقرة، والحرف والزمان والمكان عند ماجد شلا، وجواز سفر لمي مراد، خاتمة باسم على علم مؤنث لنسرين أبو بكر.

إن كل موضوع علقت فيه الكاتبة يحتاج لوقفة ولكني هنا حاولت تلمس الطريق الخاص والمميز الذي اختطته دكتورة مليحة مسلماني لنفسها، خطا واضحا وصولا لنظرة جديدة تسجل لها.

وأتت الخاتمة في النهاية على صورة عتبة خروج تمثل إعادة تأطير للدارسة كلها التي أسهمت في تقديم تصور ولمسة دافئة أجادت التأويل والمقاربة الفريدة بين المتلقي والمصطلح النقدي.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى