«مكتبة القهوة».. بؤر ثقافية في الصعيد

وئام يوسف

 

أكثر ما يميّز مشروع «مكتبة القهوة» استهدافه محافظات الصعيد، التي تعاني التهميش الثقافي منذ عقود مضت، برغم أنها مركز ثقلٍ فكريّ وحضاري في مصر، فالمعابد والكنوز التاريخية الكائنة حتى اللحظة، تروي أن الوجه القبلي لمصر ـ الصعيد ـ هو فجرُ حضارتها، ولعل «مكتبة القهوة» إعادة بعث فكرية وتنموية، خاصة أن هدفها إقامة مساحاتٍ تعمل على تنشيط الحركة الثقافية من خلال إقامة منافذ تبيع الكتب في المقاهي التي يرتادها الشباب إلى جانب عقد الندوات والملتقيات الفكرية. يدير المشروع المركز الثقافي الألماني في القاهرة «غوته» بالتعاون مع «دار صفصافة للنشر» بدعم ألماني.
المكتبات في الصعيد ليست منشآت جديدة إلا أن وهجها تذبذب تبعاً لمتغيّرات تاريخية واجتماعية وفكرية، ففي أيام الفراعنة لازمت المكتبات المعابد وكانت تحتوي نسخاً ومخطوطات اعتُبرت مراجع فكرية وفلسفية في المجالات كافة، كما أن مشروع «مكتبة القهوة» يُعيدنا لستينيات القرن الماضي عندما أنشئت بيوت الثقافة الجماهيرية في قرى ونجوع الصعيد وكانت منارة ثقافية حققت وثبة فكرية وإبداعية، إلا أن نورها أفل في التسعينيات مع تباطؤ دورها في ظل تركيز وزارة الثقافة على العاصمة.
«انطلق مشروع «مكتبة القهوة» قبل عام ونصف بأفق ثقافي تنموي يسعى لإضافة بؤر ثقافية جديدة إلى تلك الأماكن القليلة الناشطة في الصعيد، ويعمل المشروع بدعم ألماني وبإدارة معهد جوتة وبالتعاون مع دار صفصافة للثقافة والنشر». يقول محمد البعلي مدير مؤسسة صفصافة للثقافة والنشر، مضيفاً للسفير أن فلسفة المشروع تقوم على إيصال الثقافة للناس، حيث يتنبّى فكرة تأسيس مكتبات صغيرة في المقاهي وتنظيم أنشطة ثقافية حول هذه المكتبات «خلال العام ونصف من عمر المشروع نظم في الصعيد ندوات وفعاليات لكتاب مرموقين مثل مكاوي سعيد ويوسف زيدان وأحمد مراد وغيرهم الكثير من الأسماء المميزة، واحتضنت المقاهي التي تعمل مع المشروع أغلب هذه الندوات إضافة إلى قراءات شعرية وعروض سينمائية وعرض مونودراما».
«المنيا» كانت نقطة استهلال المشروع، حيث أنشئت منافذ لبيع الكتب في مقاهٍ بالمنيا ومدينة ملوى، تنوعت الكتب بين الروائي والتاريخي والفلسفي والقصص القصيرة، مع التركيز على الكتب الحاصلة على جوائز. إلى جانب عقد ندوات ونشاطات ثقافية كان الكاتب أحمد مراد أول ضيوفها، والشاعر حمدي أبو زيد ناقش ندوة تحت عنوان «قراءات في رباعيات صلاح جاهين».
وعلى ضفة أخرى نظّم مشروع «مكتبة القهوة» مسابقة للقصة القصيرة لكتاب الصعيد وقد فاز فيها ثلاثة كاتبات ـ إسراء مقيدم، كارولين نبيل، بسمة ناجي ـ شارك في لجنة التحكيم الكاتبة منصورة عز الدين والمترجم عبد الرحمن يوسف والكاتب أحمد شوقي علي. لا شك في أن فعالية كهذه تشرّع الأبواب أمام الشباب الصعيدي المهتم بالكتابة وتوصل كلماتهم خارج حدود مناطقهم، فضلاً عن أنها تربط جسراً بين الكتاب من الصعيد للقاهرة بعيداً عن مركزية الثقافة بالعاصمة.
محافظة بني سويف هي العتبة المقبلة لمشروع «مكتبة القهوة»، ففي الـ8 من تموز الحالي سيفتتح المشروع مقراً له في «كافيه منتون»، سيتخلل الافتتاح لقاء مع الشاعر محمد ابراهيم، وأغانٍ تراثية ستقدمها فرقة «حبايبنا». أملاً بألّا تكون المحطة الأخيرة للمشروع، فتضاء بذلك بقعة شهدت نهضة فكرية وتنويرية منذ أكثر من خمسة آلاف سنة وفي ما بعد صدّرت للعالم العربي أهم مفكريها، فأنى لأحد أن ينسى الجنوب المصري الذي منه جاء الطهطاوي والعقاد ودنقل والأبنودي.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى