«ساق البامبو» يُخرج الدراما الخليجية من قوقعتها

طارق العبد

تكرار الذات هو سمة لافتة في المسلسلات الخليجية مع غزارة في مشاهد العنف والضرب والبكاء غير المبرر. لكن حالة استثنائية نجحت في حجز مساحة هامة عبر عمل يطرح مسألة الأجانب في الخليج برؤية متماسكة بعيداً من قوالب ثابتة ناقشت المسألة في السابق.
عن رواية للأديب الكويتي سعود السنعوسي (فازت بجائزة البوكر 2013) تنطلق أحداث «ساق البامبو» للمخرج محمد القفاص لتتناول قصة «راشد». الشاب المغرم بعاملة فليبينية، يتزوّجها وينجب منها «عيسى» قبل أن يطلّقها بضغط من العائلة الخائفة من عار يلحقها وهي صاحبة الثروة الكبيرة. ينقتل الطفل مع والدته إلى بلدها الأم وسط حياة مأسوية ممنياً نفسه بالجنة التي تنتظره في الكويت قبل أن ينجح في العودة ويكتشف وفاة أبيه خلال حرب الخليج. ترفض العائلة استقبال «عيسى» وعلى رأسهم الجدة والعمة فتتعاملان معه كأنه من الخدم برغم الودّ الذي يتصاعد تدريجياً مع العائلة. إلا انّ الشابّ يجبر في النهاية على السفر مجدداً، لأنه لم يتكيّف مع وطنه الجديد ولأن أمره ينكشف ما يسبب فضيحة للأسرة وعلاقاتها فيبتعد مرغمًا، وسط تعاطف جزء من أفراد العائلة معه خاصة شقيقته وأبناء عمه، فيقرر كتابة قصته على شكل رواية.
تدور كل هذه الأحداث وسط صراع داخلي يتعلق بهوية «عيسى» الأصلية بين الفيلبين والكويت واللغة العربية أو الإنكليزية والفلبينية أو لكونه على دين أبيه، وتعاطي المجتمع معه على قاعدة أنه ليس ابن البلاد نظرًا لشكله الخارجيّ المختلف.
لم يمرّ العمل بسهولة عبر الشاشات، فمع بدء التحضيرات رفضت الرقابة في الكويت النص ثم التصوير ما دفع بفريق العمل لتنفيذ المسلسل في دبي والفيلبين. انطلقت بعدها دعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمقاطعة العمل بحجة إساءته إلى المجتمع الخليجي قبل أن تتلاشى كل هذه الدعوات وتتجرأ شاشات مثل «أم بي سي» و «دبي» و «الشارقة» و «عمان» على حجز مواعيد لعرضه. وهي المرة الأولى التي تبثّ فيها محطات خليجية مسلسلاً لم توافق عليه رقابة أحد بلدانها.
طرحت مسألة الأجانب في الخليج في أكثر من عمل دراميّ، إلا ان الحصيلة لم تكن مرضية وكثيراً ما غرقت المسلسلات بإطارات نمطية عن العائلة وهجمات كآبة غير مبررة لا تحمل نهايات مقنعة.
يحسب لـ «ساق البامبو» بعده عن نمطية المسلسلات الخليجية بين صراع العائلة على الميراث أو المصالح المالية أو المبالغة المفرطة في الأداء. تتصاعد أحداث الشخصيات بطريقة منطقية وبعيدة عن التكلف أو تكرار جمل منمطة. يظهر المجتمع الخليجي في «ساق البامبو» ككيان يحذر الاعتراف بالآخر ويمنعه من الاختلاط به خوفاً من ردة فعل المحيط، بغض النظر عن كل إيجابيات ابن العائلة الوافد، لكنّه لا يغفل مشاعر الحب للشاب الفيلبيني لكونه في النهاية يحمل اسم العائلة ولا ذنب له في ما حصل لأبيه وأمه. وهي قناعة تظهرها الجدة ولاحقاً شقيقته .
في المقابل، شكّلت شخصية الجدّة «غنيمة» (سعاد عبد الله) في تناغم قسوتها مع بساطة الابن، وشخصيات «راشد» (عبد المحسن النمر) وصديقه «غسان» (فيصل العميري)، حضورًا لافتًا عبر بناء الشخصية وأسلوب الأداء الهادئ.
أمّا «عيسى/ خوسيه» (الممثل الأردني – الكوري ونهو تشونغ) فكان علامة فارقة في عفويته وحيرته أمام المجتمع الجديد، في أول تجربة تمثيليّة له بعد أن لمع في الـ «ستاند أب كوميدي».

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى