“زوال” يستعيد دراما العشوائيات

ريما نعيسة

ستعاد مسلسل “زوال” (كتابة يحيى بيازي وزكي مارديني وإخراج أحمد إبراهيم أحمد) حالة دراميّة عرفت بها الأعمال السورية منذ سنوات باسم “دراما العشوائيات”. صوّر المسلسل من إنتاج “المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني” جملةً من العلاقات الإنسانية في حيّ عشوائي على أطراف العاصمة السورية دمشق.
يستقي “زوال” شخصياته من الواقع ليصنع لها “حدوتة دراميّة قريبة” عن شخصيات شديدة الالتصاق بالواقع، تتقاطع حيواتها المتناقضة باهتماماتها ومرجعياتها الفكرية والمجتمعية لتشكل مجتمعاً هجيناً.
تبدأ أحداث “زوال” في العام 2010 مع بداية اندلاع “ثورات الربيع العربي” في تونس، ولكنه سرعان ما يأخذنا عبر تقنية “الفلاش باك” إلى تسعينيات القرن الفائت. ينتقي العمل فترة اجتياح العراق للكويت، وهي الفترة التي شهدت خلالها سوريا حالة استقرار سياسي واقتصاديّ لعب دوراً مؤثراً في شكل الحياة الاجتماعية.
يسافر المشاهد مع الشخصيات إلى الماضي انطلاقاً من التقاء “شيرو”، الممثل المشهور وابن الحي الفقير، مع رفاقه رولا وحسين بعد غياب سنوات على سطح كشاش الحمام “ينال” (يامن الحجلي). يبدأ الأربعة في سرد سيرة الحيّ، مختارين محطات شكّلت منعطفات دراماتيكية في حياة أهله وعلاقاتهم المجتمعية. ولعلّ أبرزها المشهد السوريالي لحرق عروس لنفسها على سطح منزلها وهي ترقص والشام خلفها في تشكيلٍ بانورامي. يكتشف المشاهدون لاحقاً أن العروس حرقت نفسها كصرخة احتجاج على سلطة أبوية تجبرها على الزواج بمن لا يهواه قلبها.
يقدّم العمل مجموعة من الشخصيات الثرية والفريدة التي افتقدتها الدراما السورية في السنوات الأخيرة. شخصيات بعيدة عن الكليشيهات والتنميط والانطباعات الجاهزة وهي غنية في منطقها الدرامي وبعدها الفلسفي في المقابل. منها على سبيل المثال شخصية “عنز” التي يجسدها الفنان سلوم حداد. تبدو الشخصية كما لو أنها وجدان الإنسانية. “عنز” عرافٌ يتنبأ بالخراب، ويتحدّث بلسان الجميع، ويجسّد قيم الخير وصراعه مع الشر من خلال مطاردته لأشخاص ألحقوا الأذى بالآخرين.
أمّا شخصيّة “كشاش الحمام” فيؤديها الممثل الشاب يامن الحجلي مثبتاً بذلك قدراته التمثيلية الخاصة كوجه لافت وسط نجوم سوريا الجدد، فيما يلعب باسم ياخور دور أبو معروف المهووس في البحث عن كنوزٍ دفينة مستخدماً لعبة السحر والشعوذة فيصوّر العمل معاناة الزوجة مع حال زوجها الميؤوس منه فتحضر هنا “شكران مرتجى” بأداء مؤثر تكشف فيه عن اختمار في تجربتها التمثيلية.
ومن خلال إدارة “سماهر” لبيت دعارة داخل الحي تكسر (نظلي الرّواس) صورة القوّادة النمطيّة وتشكّل كلاً معقداً من القسوة والحنان يجتمعان في آن معاً لتجذب المشاهد إليها وتكتسب تعاطفه معها في كثير من المواقف، خصوصاً عندما تكشف عن حبّها لـ “أبو حوا” (فادي صبيح)، القبضاي وروبن هود الحيّ، إذ يقترف الشر في سبيل خدمة الناس وأهل الحارة خاصة.
شاركت في العمل مجموعة من نجوم دراما السورية أبرزهم نادين خوري وفادي صبيح وميسون أبو أسعد ونزار أبو حجر وسعد مينا وغيرهم. تجتمع الشخصيات كلّها في أحد أشهر أحياء مدينة دمشق “حي ركن الدين” الممتدّ على سفوح جبل قاسيون، والمطلّ على العاصمة دمشق. لكن لماذا اختير هذا الحي بالذات؟
“لأنه بيئة غنية معقدة أنتجت نماذج إنسانية مختلفة، منها المثقف والمتعلم ومنها أيضاً من يقتلنا اليوم”. يجيب كاتب العمل يحيى بيازي في حديثه لـ “السفير” شارحاً: “يطرح العمل الشخصيات على أساس هويّاتها الحقيقية، وانتماءاتها الدينية، والإثنية والعرقية والقومية ويرصد حياتهم اليوميّة وعلاقاتهم مقدماً صورة مصغرة عن سوريا التي شكّلت أنموذجاً لحالة التآخي بين الطوائف، كما يطرح العمل تساؤلات عن إمكان البحث عن قيم نبيلة مفقودة يمكن أن نجدها عند بعض البسطاء”.
يُحسب لـ “زوال” انه أعاد بعضاً من سماتٍ افتقدتها الدراما السورية في السنوات الأخيرة، من خلال تجسيده لواقع مجموعة من الشخصيات المركبة التي تشبه الانسان السوري وتقارب مفاصل حياته الحساسة.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى