روني عريجي: في العمل الثقافي ليس هناك سوى الثقافة

اسكندر حبش

مشاريع كثيرة أنجزتها وزارة الثقافة في السنوات القليلة الماضية، مشاريع تفوق كل ما أنجزته هذه الوزارة منذ إنشائها. صحيح أن الإمكانيات لا تسمح بتحقيق كل شيء، إذ لا ميزانية كبيرة، ولا عديدا يتيح القيام بهذا كله. ومع ذلك يعتبر الوزير روني عريجي نفسه أنه وزير ثقافة «في سويسرا أو في السويد» مثلا، أي لديه هذه الرغبة الكبيرة في أن يكون العمل الثقافي حاضراً في مقدمة الأحداث. حول بعض هذه المشاريع، كما حول عمل الوزارة كان هذا اللقاء.

ربما من الصعب أن أطرح هذا السؤال عليك، ومع ذلك، بعد هذه الفترة التي قضيتها في عملك كوزير للثقافة، كيف تقيّم هذه المرحلة؟ هل استطعت تحقيق كلّ ما كنت تطمح إليه؟
ـ في البداية، لا بدّ من القول إني جئت للوزارة لمدة ثلاثة أشهر، وفق معطيات تلك المرحلة، وهذه الأشهر امتدت لغاية 3 سنوات تقريباً. من يأتي لثلاثة أشهر، بالتأكيد لا تكون لديه خطة عمل، بل يأتي لتثبيت وجود ـ إن جاز القول ـ لكن مع الوقت، وبعد أن بدأت الأمور تأخذ هذا الطابع، تسنى لي أن أضع خطة عمل وبعض المشاريع على المدى المتوسط والطويل. لهذا سأترك التقييم للصحافة المتخصصة أولا، وبالدرجة الثانية أترك التقييم لأهل الثقافة والمهتمين، وثالثا للبنانيين عامة، إذ هم من يستطيع تقييم العمل الذي قامت به الوزارة في الأيام التي تشرّفت بأن أكون فيها وزيرا. وحين أقول أنا فبالتأكيد أقصد أنا وفريق عملي وموظفي الوزارة. لأن ما نقوم به هو عمل جماعي ولا أقوم به وحدي على الرغم من أن الوزير هو من يعطي التوجه العام ونمط العمل وإيقاعه، لكن في النهاية هذا عمل جماعي. في أي حال لقد عملنا على محورين..
ما هي أبرز هذه المحاور، ما الخطة التي وضعتها حين وجدت أنك لن تبقى في الوزارة 3 أشهر فقط بل سيمتد بك المقام وذلك نظرا للحالة السياسية في البلد.. أي لإيجاد حلول ما..
ـ هذا صحيح. هناك خطة على محورين. الأشهر الثلاثة الأولى، سمحت لي بالتعرف على مشكلات الوزارة، ومن ثم في الفترة التي تبعت ذلك، سمحت لي أن أتعرف على العاملين والفاعلين في القطاع الثقافي ومشكلات هذا القطاع. المحور الأول كان محوراً بنيوياً في الوزارة، حيث استصدرنا مرسومين: مرسوم «تنظيم الهيئة العامة للشؤون الثقافية» ومرسوم «تنظيم شؤون الهيئة العامة للآثار». كما عملنا على تنظيم الهيئة العليا للمتاحف والمكتبة الوطنية، أي عملنا في الفترة الأولى على الأعمال التنظيمية في قلب الوزارة، وهذا أمر لا يعرفه الناس وليس لهم أي اهتمام، ولكنها بنظري أمور أساسية. المشروع الأهم الذي عملت عليه وأتمنى أن يتم التصديق عليه في مجلس الوزراء، هو إنشاء صندوقين ماليين لدعم القطاع الثقافي ولدعم قطاع الآثار. وهذا أمر منصوص عليه في القانون لكن لسبب أو لآخر لم يخرجا إلى حيز الوجود. لقد اهتممنا بالنظام المالي والإداري وعملنا بذلك بالتعاون اللصيق مع وزارة المالية لأنها شريك أساسي. برأيي إذا عرفنا كيف نفعّل هذين الصندوقين ـ بعد أن يصدر مرسومهما ـ نكون قد قمنا بنقلة نوعية في وزارة الثقافة..

نقلة نوعية
بأي معنى تجد أنها نقلة نوعية؟ ليس فقط ماذا يتضمن هذا المرسوم ولكن، ماذا يتيح لكم بالفعل؟
ـ يتيح لنا أن نمتلك مرونة كبيرة في تمويل النشاطات الثقافية كما النشاطات الداعمة لقطاع الآثار..
من قبل من؟ الحكومة؟..
ـ هناك مال عام وهناك مال خاص. بمعنى حين تدخل اليوم إلى المتحف عليك أن تدفع 5 الاف ليرة، وهذا المبلغ يدخل إلى خزينة الدولة لتعود وتعطيك ميزانيتك وفق أبواب معينة. بعد مشروع التنظيم أصبح هذا المال يدخل مباشرة في صندوق الوزارة وصار بإمكاني صرف المال بسهولة أكبر بعيدا عن التعقيدات الإدارية كي أدعم موضوع الآثار، إلى ما هنالك من الهبات التي تأتي اليوم إما عينية وإما مالية، لهذا نجد أن هذه الهبات تدخل رأسا إلى الصندوق ويمكن لنا أن نصرفها بسهولة أكثر على مشاريع أخرى كدعم السينما مثلا والطباعة الخ.. لهذا نرى أن إيجاد هذين الصندوقين يمنح الوزارة مرونة كبيرة في جلب الأموال وصرفها دعما للثقافة والآثار. إذ أحسنا استعمال هذه الأموال فسيعطي ذلك نقلة نوعية لوجود وزارة الثقافة ولحركتها ودعما للمشاريع الثقافية التي تشكل اولويات واجباتها.
ما تقوله وكأنه يشير إلى أن الوزارة غير حاضرة على الساحة الثقافية؟
ـ مالياً غير حاضرة أبداً. هي حاضرة في غير قطاعات. من المفترض إن نجح هذان الصندوقان ـ مثلما أتخيل الأمر ـ أن يساهما بنقلة نوعية.
من ينظر اليوم إلى نشاطات وزارة الثقافة يرى أحيانا شراكتكم مع القطاع الخاص..
ـ صحيح وهذا جزء مكمّل، برأيي أن ليس هناك وزارة ثقافة من دون القطاع الخاص، إذ لا يمكن لنا أن نتحرك وأن ننتج وأن نوصل رسالتنا من دون هذا القطاع.
في المرحلة الراهنة أم في المستقبل أيضا؟
ـ «على طول».. في كل دول العالم اليوم، عشرات وزارات الثقافة تتكل بشكل أساسي على القطاع الخاص وعلى دعمه. إن كان هذا القطاع جاهزا فلماذا نخسره؟ خلال فترتي وضعت أسسا للتعامل مع القطاع الخاص، لكن مع وزير غيري لا يمكنني التكهن بما سيقوم به. في أي حال، حين يثق القطاع الخاص بالمشروع المقدم إليه وإن كان مشروعا جديا ويمتلك أفقا وهدفا، إن اجتمعت هذه الأمور الثلاثة سنجد الدعم من القطاع الخاص. على سبيل المثال، نعمل حاليا عن إيجاد الدعم اللازم للأوركسترا الفلهارمونية. صحيح أن الدولة تساعدها، ولكنها بحاجة إلى دعم أكبر، وهذا ما نعمل عليه. أي إن لم نجد القطاع الخاص فلن تحصل على هذا الزائد الإضافي الذي يسمح لها أن تصعد السلم درجة إضافية.

شهادة غير معترف بها
وهل هناك اليوم مشاريع لتنظيم «الكونسرفاتوار»؟
ـ بالطبع، وعلى أكثر من محور. المحور الأساسي، وهو مشروع موجود منذ ستينيات القرن الماضي، ويكمن في أن تصبح شهادة المعهد، شهادة معترفا بها من قبل الدولة.. هذا الأمر يجافي أبسط قواعد المنطق.. الأكاديمية الرسمية للموسيقى في لبنان غير معترف بشهادتها من قبل الدولة اللبنانية!!
ولِمَ؟
ـ لأنه لم يوضع نظام لذلك، لأنه لا أعرف!! في أي حال، وضعنا اليوم مسودة لذلك، وأرسلناها إلى وزارة التربية، أضيفت إليها الملاحظات، ونعمل عليها مع مستشار قانوني (قاض) ملحق بالكونسرفاتوار، ومع مستشار قانون من مجلس شورى الدولة، ومن وزارة الثقافة والمدير العام للكونسرفاتوار. نعمل على قدم وساق لتكون الشهادة التي يحصل عليها الطالب شهادة رسمية معترفا بها. أليس غريبا هذا الأمر: دولة لا تعترف بشهادتها.
فعلا وهذا معهد تابع للدولة؟
ـ هذا ما يحدث. في أي حال، الشهادة بحاجة إلى نظامها الخاص
هل أن شهادات المعاهد الموسيقية الخاصة معترف بها من قبل الدولة؟
ـ أجل.
فعلا أمر غريب
ـ بالتأكيد. لا أريد أن أتهم أحدا، وهذا ليس هدفي، لكن في موضوع وزارة الثقافة هناك إهمال كبير. لهذا نعمل على الأنظمة الادارية والمالية غير الموجودة أصلا. لقد وضعناها وأتمنى أن تأخذ قريبا مجراها القانوني. المهم هل تعرف أنه منذ العام 1933 لم يكتب ولو نص واحد في موضوع الآثار؟ هناك ظروف جديدة فرضت أن نستصدر 3 مراسيم وهذا غير القرارات التنظيمية. هذا هو المحور الاول أما الثاني فثمة مشاريع تساعد قطاع الثقافة وتعطي دورا للوزارة. على سبيل المثال المتحف الافتراضي الذي أنشأناه، إذ من صلب وأهداف الوزارة نشر الفن التشكيلي وتوثيقه، فعبر هذا المشروع نشرنا الأعمال الفنية التي تملكها الوزارة وبأربع لغات، كذلك أقمنا ما يشبه الموسوعة لتاريخ الفن التشكيلي كذلك أوجدنا آلية لنشجع القطاع الخاص ليساهم معنا ويعرض ما يمتلكه، ما يساهم في إقامة جردة عامة للفن التشكيلي اللبناني ودفع الناس للاطلاع على أعمال لا تعرفها لأنها محفوظة عند هواة الاقتناء، ومن ناحية ثانية نشجع الفنانين الشباب على أن نعرض لهم أعمالهم كي يطلع عليها مئات الالوف من المشاهدين. هذا هدف من أهداف الوزارة. ليس عملا بنيويا أي لا علاقة له بنصوص القانون ولكنه دور لمساعدة الفن التشكيلي والفنانين..

المتاحف
ومتى سيتحول هذا المتحف الافتراضي لمتحف حقيقي؟ ليس لدينا أي متحف للفن التشكيلي المعاصر..
ـ هنا أيضا يتجلى التعاون مع القطاع الخاص، هناك جمعية لبنانية خاصة لا تبغى الربح، تعمل على إنشاء متحف، وهي جمعية «أبيل»، وقد قدمت الجامعة اليسوعية الأرض لأجل إنشاء ذلك. الوزارة تدرس إمكانية إعارة جزء من مجموعتها ليكون نواة ما سيتم عرضه. القطاع الأكاديمي قدّم الأرض، والقطاع الخاص جاء بالتمويل وشيد المتحف والقطاع العام ـ أي الوزارة ـ قدّم نواة المجموعة التي ستعرض. هذا التعاون لم يكلف الدولة أي مبالغ.
سأعود إلى نقطة أشرت إليها. نعرف ان وزارة الثقافة تم استحداثها لأسباب كثيرة، ولن ندخل في تفاصيلها الآن، لكن هناك مديريات كانت حاضرة قبل هذه الوزارة، كمديرية الآثار والكونسرفاتوار، الخ.. ألم تنظم هذه المديريات؟ ألم يكن لها قوانين؟
ـ لها بعض القوانين، وليس كلها. بكونها كانت مديريات نجدها كانت ملحقة ببعض الوزارات كالسياحة والتربية.. المديرية أمر مختلف عن الوزارة. لهذا لم تكن هذه المديريات تأخذ الاهتمام اللازم.
بصراحة، هل هناك فعلا رغبة حقيقية عند الدولة في إيجاد وزارة ثقافة فعلية؟
ـ ليست هناك ممانعة أبدا..
ولكنها مهملة بمعنى ما..
ـ لا أعرف لماذا مهملة، ولكنها ليست الوحيدة. اعتقد أن وزارة السياحة مهملة بدورها أي أن وضعها ليس بأفضل من وضع وزارة الثقافة لا من ناحية العديد ولا من ناحية الميزانية. عديد وزارة الثقافة كارثة. أعتبر أن الذين يعملون في وزارة الثقافة مجاهدون و «معترّين». لا نملك في الوزارة سوى 29 موظفا. اعتبرهم سوبرمان، لن يتمكنوا من القيام بكل هذا العمل. قدمنا مؤخرا طلبا، ووافق عليه مجلس الوزراء بعد جهد، و بشكل استثنائي، لإعطائي حق القيام بمباراة لإدخال 14 رئيس قسم كقسم السينما وقسم المسرح… كي نفعّل عمل الوزارة وإلا ستقفل. وبسبب هذا النقص أيضا وقّعت اتفاقية مع مؤسسة «ليبان سينما» لمعالجة النقص في قطاع السينما كي تساعدني في بعض الأعمال التي من المفترض أن تقوم بها وزارة الثقافة..

مشاريع
قمتم بتنفيذ الكثير من المشاريع..
ـ هناك مشروعان أعتقد أنني أحبهما أكثر، المتحف الافتراضي، الذي تحدثنا عنه، كما هناك متحف الآثار بمطار بيروت الذي تعاونا فيه مع شركة «الميدل ايست»، وموّل المصرف المركزي جزءا من المشروع وهو يعطي صورة عن تاريخ هذا البلد وغناه بالآثار.. كذلك مشروع الشاشات التي تتحدث عن 250 شخصية لبنانية التي يتم عرضها داخل المطار، ونحن بصدد التواصل مع الجامعات كي يتم عرض هذا المشروع بطريقة معينة للطلاب. المهم، هناك اليوم مشروعان مهمان للمتحف الوطني أولا مشروع توسيع المتحف ببناء جناح خاص إلى جانب المتحف لنوجد فيه فسحة كي نبث الحياة أكثر في المتحف أي أن نجعل الناس تأتي إليه أكثر، وذلك لاقامة مناسبات ثقافية وموسيقية ومركز للمحاضرات بالاضافة إلى مناسبات اجتماعية ولست ضد هذه الفكرة لكن ليس في داخل المتحف بل في بناء ملاصق له ربما لايجاد التفاعل بين الناس والمتحف.. المهم المشروع هذا هو هبة من القطاع الخاص بقيمة 3 ملايين دولار. في تشرين المقبل هناك افتتاح الطابق السفلي من المتحف الوطني وبهبة من الحكومة الإيطالية، وهذا الطابق لم يفتح منذ العام 1975 وسيتم عرض 550 قطعة جديدة لم يرها أحد بعد..
وأين كانت موجودة؟
ـ في المستودعات، كما ستضم 31 ناووسا فريدة في نوعها..
كل هذه المشاريع في ظل الظروف الأمنية الراهنة ألا تجعلك تشعر بالاحباط مثلا
ـ أعتبر نفسي وكأني وزير ثقافة في سويسرا أو في السويد، حين آتي إلى مكتبي أنسى ما يحدث في الخارج، فقط حين أكون في مجلس الوزراء أتذكر أين أنا وللأسف.. في اي حال، أنا وزير ثقافة لكل لبنان أما مواقفنا السياسية فنعبر عنها في مجلس الوزراء، وفي الأماكن المخصصة للسياسة. في العمل الثقافي، ليست هناك سوى الثقافة.. وأعتقد أن الناس ستحكم لاحقا على ما قمنا به.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى